بجوار آراء السلف ، عليهم رضوان الله.
٣ ـ ظواهر تنفرد بها
سورة المائدة
تنفرد سورة المائدة بجملة من الظواهر لا نكاد نجد شيئا منها في غيرها من السور ، حتى في أطول سور القرآن وهي البقرة ، ذلك أنها لم تتحدث عن الشرك ، ولا عن المشركين ، على النحو الذي ألف في القرآن : من محاجتهم ، وتسفيه أحلامهم ، وتحقير شركائهم ؛ وأنها لم تعرض ، في قليل ولا في كثير ، لما عهد في أكثر السور المدنية ، التي نزلت قبلها ، من الحث على القتال ، والتحريض عليه ، ورسم خطط النصر والظفر بأعداء الله المشركين ، كما نراه في سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والأنفال ، والتوبة ، لأن المسلمين في ذلك الوقت ، لم يكونوا بحاجة إلى شيء من هذا الحديث ، لقد اندحر الشرك وصار المشركون في قهر وذلة ويأس.
ولكن إذا كان المشركون قد انقضى عهدهم ، والمسلمون قد علا شأنهم ، فإنّ المسلمين في حاجة إلى إكمال التشريع المنظم لشئونهم ، على وجه يضمن لهم دوام السعادة ، ويحفظ لهم السيادة ، ولهم بعد ذلك صلات خاصة بطوائف من أهل الكتاب ، يعيشون في ذمتهم وعهدهم ، ويخالطونهم في حياتهم ومعاملاتهم ، ومن هنا نتبين أن المسلمين ، في ذلك الوقت ، كانوا في حاجة إلى ما يعنيهم في الجانبين : جانب أنفسهم ، وجانب علاقتهم بأهل الكتاب ، وبذلك دار كل ما تضمنته سورة المائدة ، على أمرين بارزين : تشريع المسلمين في خاصة أنفسهم وفي معاملة من يخالطون ، وإرشادات لطرق المحاجة والمناقشة ، وبيان الحق في المزاعم التي كان يثيرها أهل الكتاب ، مما يتصل بالعقائد والأحكام ، وفي سياق هذه المحاجة ، تعرض السورة لكثير من مواقف الماضين ، من أسلاف أهل الكتاب ، مع أنبيائهم تسلية للنبي (ص) من جهة ، وتنديدا بهم عن طريق أسلافهم ، من جهة أخرى.
٤ ـ تشريع القرآن
نزل القرآن على رسول الله (ص) لينشئ به أمة وليقيم به دولة ولينظم به