مجتمعا ، وليربي به ضمائر وأخلاقا وعقولا وليربط ذلك كله برباط قوي يجمع متفرقه ، ويؤلف أجزاءه ويشدها كلها إلى منزل هذا القرآن ، وإلى خالق الناس الذي أنزل لهم هذا القرآن.
ومن ثم نجد في كثير من سور القرآن تشريعا إلى جانب موعظة ، وقصة إلى جانب فريضة ، ونجد التشريع الذي ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية ، الى جانب التشريع الذي يحل ويحرم ألوانا من الطعام أو ألوانا من السلوك والأعمال.
وهذه السورة ، سورة المائدة ، مثل لتلك السور التي تلتقي فيها التربية الوجدانية بالتربية الاجتماعية بتشريع الحلال والحرام في الطعام والزواج ، بتشريع المعاملات الدولية في ما بين المسلمين وغير المسلمين ، بتعليم بعض الشرائع التعبّدية ببيان الحدود والعقوبات في بعض الجرائم الاجتماعية بالمثل والموعظة والقصّة ، بتصحيح العقيدة وتنقيتها من الأسطورة والخرافة في تناسق واتساق.
٥ ـ الوفاء بالعقود
تبدأ سورة المائدة بنداء إلهي للمؤمنين أن يوفوا بالعقود فتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [الآية ١].
والعقود جمع عقد ، وهو ما يلتزمه المرء لنفسه ، أو لغيره ، وأساسه قد يكون شيئا فطريا تدعو إليه الطبيعة ، وقد يكون شيئا تكليفيا تدعو إليه العقيدة ، وقد يكون شيئا عرفيا يدعو اليه الالتزام والتعاهد ، والعقد العرفي ، أي المتعارف عليه لدى عامة الناس ، يكون بين الفرد والفرد ، كما في البيع والزواج ، والشركة ، والوكالة ، والكفالة ، إلى آخر ما تعارفه الناس ويتعارفون عليه من وجوه الاتفاقات ، والكلمة في الآية عامّة تأمر بالوفاء بالعقود ، فتشمل العقود كلها على اختلاف أنواعها وأشكالها ، وتدخل في العقود والمعاملات ، والمعاهدات ، بظاهر اللفظ ، كما تدخل في إقامة الحدود ، وتحريم المحرّمات ، بوصفها داخلة في عقد الإسلام ، بين الله ورسوله ، والذين آمنوا بالله ورسوله.
وعلى وجه العموم ، فإننا نجد سياق السورة كله يدور حول العقود والمواثيق ، في شتى صورها ، حتى حوار الله والمسيح يوم القيامة ، الوارد في نهاية السورة ، نجده سؤالا عمّا عهد