وجملة هذه النداءات تربية عملية للمؤمنين ، وبيان للطريق السوي التي يجب اتباعها في الشعائر والعبادات والمعاملات والمعاهدات. والنداء للمؤمنين بصفة الايمان تذكير لهم بأن عليهم أن يعملوا بمقتضى هذا الإيمان ، وقوامه التصديق الباطني بوجود الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
الأمر بالتقوى :
حثّ القرآن على تقوى الله وطاعته وذيّل كثيرا من أحكامه ببيان شأن التقوى ، وأهميّتها ، وفي النداء السادس من سورة المائدة حثّ على تقوى الله والتماس الأسباب المساعدة على هذه التقوى فيقول سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣٥).
وتقوى الله هي تقدير العظمة الإلهية وامتلاء النفس بها امتلاء يدفع المؤمن إلى المسارعة وشدة الحرص على تحقيق أوامر الله وتشريعاته. والتقوى تدفع المؤمن إلى إنعام النظر وقوّة التفكير في ملكوت السماوات والأرض لمعرفة أسرار الله في كونه ، وسنّته في خلقه ، ثم الاتجاه إلى هذه الأسرار والعمل على إظهار رحمة الله فيها بعباده والوقوف على السنن التي ربط بها بين الأسباب والمسبّبات بين السعادة وأسبابها والشقاء وأسبابه ، بين العلم وأسبابه والغنى وأسبابه والعزة وأسبابها ... وهكذا.
وبذلك ترى أن التقوى هي ذلك المعنى القلبي الذي تفنى به الإرادات الإنسانية في ملكوت العظمة الإلهية ، وهي الباعث على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وهي المحقّقة للإحسان في طاعة الله ورسوله ، فهي المبدأ ، وهي المنتهى ، وهي الأولى ، وهي الآخرة.
٩ ـ أهل الكتاب
أرسل الله محمدا (ص) على حين فترة من الرسل ، بعد أن درست معالم الحق والفضيلة ، وبعد أن ضيّع أهل الكتاب بعض تعاليمه ، وأخفوا بعضه ونقضوا ميثاقهم مع ربهم.
وقد واجهتهم سورة المائدة بأخطائهم ، فوصفتهم بالتعصب المقيت ، والغلوّ في الدين ، واتباعهم أهواء من ضل قبلهم من الوثنيين وغيرهم ، وادعائهم أنهم أبناء الله