ذلك العقد وإن كان فيه غبن لهم ، ويقوموا بعمرة القضاء ولا يتثاقلوا عنها تهاونا بما استفادوه منه ، وقد أطلقت العقود في ذلك إطلاقا لتشمل هذا العقد وغيره من العقود ، سواء أكانت بين بعض العباد وبعض ، أم كانت بين الله والعباد ، ثم ذكر فيها ما أوقعه الله بالأولين من أهل الكتاب وغيرهم لنقضهم عهودهم ، ليحذر المسلمين أن يصيبهم إذا نقضوا عهودهم مثل ما أصابهم ، وقد جرّ ذلك إلى الكلام على نقض المنافقين واليهود لعهودهم مع النبي (ص) ، وما كان من موالاة المنافقين لليهود وإيثارهم عهودهم معهم على عهودهم مع المسلمين.
وقد جاء ، بعد الأمر بالوفاء بالعقود في أول السورة ، بيان حكم الذبائح والصيد في الحرم وتحريم التعرض لمن يؤمّه للنسك ، وما إلى هذا من أحكام المناسك ، وقد جاء معها قليل من الأحكام العملية الأخرى ، فلما انتهى من الكلام على أهل الكتاب والمنافقين عاد إلى الكلام على تلك الأحكام العملية ، وفصّل فيها بعض ما أجمله في أحكام المناسك ، ليبين للمسلمين ما يحتاجون إليه من ذلك في عمرة القضاء ، وليعلموا الفرق في ذلك بين الجاهلية والإسلام ، ثم ختمت السورة بذكر أحوال يوم القيامة ليبين ما أعد فيها للذين يفون بعهودهم ، ويتناسب في هذا بدؤها وختامها.
وقد ذكرت هذه السورة بعد سورة النساء لأنها تشبهها في الطول ، وفيما جاء فيها من الكلام على أهل الكتاب والمنافقين ، كما تشبهها فيما جاء فيها من الأحكام العملية.
أحكام العقود والمناسك
الآيات [١ ـ ٥]
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (١).
فأمرهم بالوفاء بالعقود ، وأحل لهم بهيمة الأنعام وهم حرم إلا ما يتلى عليهم ، وحرّم عليهم الصيد وهم حرم ، ثم نهاهم أن يحلوا شعائره أو الشهر الحرام أو الهدى أو القلائد أو الحجاج والمعتمرين ، وأحل لهم ما حرّمه من الصيد إذا أحلوا ، ونهاهم أن يحملهم صدّ المشركين لهم عن العمرة