انتقل من الرد على مقالاتهم إلى تثبيت المؤمنين وتحذيرهم من التأثر بها. ثم انتقل من هذا إلى تثبيت المؤمنين بعد هزيمتهم في غزوة أحد. وقد استغلوها أيضا في التأثير عليهم ، ثم ختمت السورة بالتنويه بالمؤمنين كما ختمت سورة البقرة.
وقد قصد من ابتداء هذه السورة ببيان ما يجب لله تعالى من الأوصاف أن يكون هذا أساسا للجدال مع وفد نجران في شأن عيسى (ع).
ما يجب لله سبحانه من الأوصاف
الآيات [١ ـ ٦]
قال الله تعالى : (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) فذكر أنه يجب له أن يكون واحدا حيا قيّوما ، ومهّد بهذا لما سيذكره من نفي الألوهية عن عيسى في الجدال مع وفد نجران ، ثم ذكر أنه نزّل القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتب ، وأنزل التوراة والإنجيل من قبله هدى للناس ، وأنزل الفرقان وهو البرهان الذي لا بد منه مع النقل ، ومهد بهذا أيضا لذلك الجدال ، ليرجع فيه إلى ما اتفقت عليه هذه الكتب من التوحيد ، وإلى تأييد العقل لها في ذلك ، ثم ذكر مما يجب له أنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأنه يصورنا في الأرحام كيف يشاء (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦).
الرد على مقالة النصارى الأولى
الآيات [٧ ـ ١٨]
ثم قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [الآية ٧]. فرد على مقالتهم الأولى وهي قولهم : يا محمد ، ألست تزعم أن عيسى كلمة الله وروح منه؟ فقال : بلى. فقالوا : حسبنا. فرد عليهم بأن القرآن منه محكم ، ومنه متشابه ، وأن المتشابه يجب تأويله بما يوافق المحكم ، فالذين في قلوبهم زيغ يتّبعون المتشابه ويؤولونه بما يوافق أهواءهم. والراسخون في العلم يؤولونه ذلك التأويل السابق ، أو يفوضون الأمر فيه لله تعالى ، ثم حذّر الأولين من عذابه الذي لا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم منه شيئا ، كما لم تغن أموال آل فرعون شيئا عنهم ، وأنذرهم بأنهم سيغلبون وإن اغتروا بأموالهم وقوتهم ، وساق لهم ما جرى