في غزوة بدر عبرة يعتبرون بها ، فقد غلب المسلمون فيها ، على قلتهم ، قريشا على كثرة عددها ، ثم ذكر أنهم قد زيّن لهم حبّ أموالهم ، وإنما هي متاع الحياة الدنيا ، ولا قيمة لها بجانب ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الآخرة. ثم ختم ذلك بتقرير أن تفرّده بالألوهية معروف قد شهد به في كتبه ، وهذا في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨).
الرد على مقالتهم الثانية
الآيات [١٩ ـ ٦٤]
ثم قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [الآية ١٩]. فذكر الرد على مقالتهم الثانية ، وكان النبي (ص) قد قال لهم : أسلموا فقالوا : قد أسلمنا. فقال لهم : كذبتم ، يمنعكم من الإسلام ادّعاؤكم أن لله ولدا ، وعبادتكم الصليب ، وأكلكم لحم الخنزير. وقد احتجوا أمامه على ألوهية عيسى بأنه كان يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، إلى غير ذلك مما ذكروه ، وعلى أنه ابن الله بأنه لم يكن له أب يعلم ، فرد عليهم ذلك أوّلا بإثبات أن الدين عنده هو الإسلام له وحده ، لا ما هم عليه من جعله ثالث ثلاثة ، وقد نزل كتابهم بذلك فحرفوه وبدلوا آياته ، فإن حاجّوا في ذلك بمثل ما ذكروه فإنما هي شبه واهية لا قيمة لها ، وعلى النبي (ص) والمسلمين أن يمضوا في إسلامهم ولا يلتفتوا إلى تلك الشبه الواهية. فإذا أسلم أهل الكتاب ومشركو العرب كإسلامهم ، فقد اهتدوا ؛ وإن تولّوا ، فلا عذر لهم بعد تبليغهم. ثم ذكر ما ينفي الإيمان به عن أهل الكتاب ، من كفرهم بآياته ، وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وأوعدهم بما أعدّ لهم من عذابه ، ثم ذكر من كفرهم أنهم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، فيتولّون عنه وهم معرضون ، وأنهم يزعمون أن النار لا تمسّهم إلا أياما معدودات بقدر أيام الخلق ، ثم أوعدهم بأنه سيجمعهم ويعاقبهم على ما كسبوا من ذلك الكفر ، ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنه مالك الملك وحده ، يعز من يشاء من خلقه ، ويذل من يشاء منهم ، فلا يمتاز أهل الكتاب بشيء على غيرهم ، ثم أكد هذا بأنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميّت ويخرج الميت من الحي ،