بمجرد قتل الأول أو الأول والثاني ، لأن قتل الواحد إذا كان يساوي قتل الكل أو يقاربه ، فقتل الاثنين يجعل عليه إثم قتل الكل وعقوبة قتل الكل ، فكيف يزداد بعد ذلك بقتل الثالث والرابع وهلم جرا ، ولو قتل الكل عن إثم ، فلا يجوز أن يستحق بقتل الواحد أو الاثنين إثم قتل الكل ، وبقتل الكل إثم قتل الكل؟
قلنا : أقرب ما قيل فيه أن المراد من قتل نفسا واحدة بغير حق كان جميع الناس خصومه في الدنيا إن لم يكن له ولي ، وفي الآخرة مطلقا لأنهم من أب وأم واحدة. وقيل : معناه من قتل نفسا نبيا ، وإماما عادلا ، فهو كمن قتل الناس جميعا من حيث إبطال المنفعة على الكل ، لأن منفعتهما عامة للكل. وقيل المراد بمن قتل هو قابيل ، فإن عليه من الإثم بمنزلة إثم قتل الكل لأنه أول من سن القتل ، فكل قتل يقع بعده يلحقه شيء من وزره بغلبة التسبب لقوله عليه الصلاة والسلام «من سن سنة حسنة» الحديث ، وهذا أحسن في المعنى ، ولكن اللفظ لا يساعد عليه وهو قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ٣٢] لأن هذا المعنى إذ أريد به قابيل لا تختص كتابته ببني إسرائيل.
فإن قيل : كيف وجه قوله تعالى (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الآية ٣٣] ، وحقيقة المحاربة بين العبد والرب ممتنعة؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : يحاربون أولياء الله. وقيل أراد بالمحاربة المخالفة.
فإن قيل : لم قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) [الآية ٣٦] ولم يقل بهما ، والمذكور شيئان؟
قلنا : قد سبق جواب مثله قبيل هذا في قوله تعالى (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) [الآية ٢٧] ، وهنا جواب آخر وهو أن يكون وضع الضمير موضع اسم الإشارة كأنه قال ليفتدوا بذلك ، وذلك يشار به إلى الواحد والاثنين والجمع.
فإن قيل ، ما فائدة قوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الآية ٤٢] وحال النبي عليه الصلاة والسلام مع أهل الكتاب لا يخلو عن هذين القسمين ، لأنه إما أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم؟