فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥١) [المائدة] وكم من ظالم هداه الله تعالى فتاب وأقلع عن ظلمه؟
قلنا : هاهنا ثلاثة معان : الأول أنه لا يهديهم ما داموا مقيمين على ظلمهم ؛ الثاني أن معناه : لا يهدي من قضى في سابق علمه أنه يموت ضالا ؛ الثالث أن معناه : لا يهدي القوم الظالمين يوم القيامة إلى طريق الجنة : أي المشركين.
فإن قيل : لم قال تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [الآية ٥٤] ولم يقل أذلة للمؤمنين ، وإنما يقال ذل له لا ذل عليه؟
قلنا : لأنه ضمن الذل معنى الحنوّ والعطف فعداه تعديته ، كأنه قال حانين على المؤمنين عاطفين عليهم.
فإن قيل : كيف قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) وكم مرة غلب حزب الله تعالى في زمن النبي (ص) وبعده إلى يومنا هذا؟
قلنا : المراد به الغلبة بالحجة والبرهان لا بالدولة والصولة ، وحزب الله هم المؤمنون غالبون بالحجة أبدا.
فإن قيل : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف قال تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ) [الآية ٦٠].
قلنا : لا نسلم أن الثواب والمثوبة مختص بالإحسان ، بل هو الجزاء مطلقا بدليل قوله تعالى : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦) [المطففين] أي هل جوزوا ، وقوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) [آل عمران / ١٥٣]. وهو كلفظ البشارة لا اختصاص له ، لغة ، بالخبر السار ، بل هو عام شامل للشر ، قال الله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢١) [آل عمران].
فإن قيل : ما فائدة إرسال الكتاب والرسول إلى أولئك الكثيرين الذين قال تعالى في حقهم (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) [الآية ٦٤].
قلنا : فائدته إلزام الحجة عليهم. الثاني تبجيل الكتاب والرسول إذا كان مرسلا إلى الخلق كلهم ، كان ذلك أفخم وأعظم للرسول والمرسل.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [الآية ٦٦] ،