الرد على مقالتهم الرابعة
الآيات [٧٩ ـ ٩٢]
ثم قال تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) [الآية ٧٩]. فذكر الرد على مقالتهم الرابعة ، وهي زعمهم أن عيسى (ع) كان يدّعي الألوهية ، ويأمر قومه بعبادته ، فرد عليهم بأنه ما كان لبشر أن يؤتيه الكتاب والحكمة والنبوة ثم يأمر الناس بمثل ذلك ، فيصير بهم إلى الكفر بعد الإسلام الذي كانوا عليه من قبله ، ثم ذكر أن هذا الإسلام كان ميثاقه على النبيين وأتباعهم أن يصدّقوا الرسول المنتظر الذي يجيء به ، فمن تولّى عنه بعد ذلك يكون فاسقا. ثم أنكر عليهم أن يبغوا غير هذا الإسلام ، لأنه دين الفطرة الذي يؤمن به كل من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم طوعا وكرها ، إذ يخضعون جميعا لله وحده. ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنه هو الدين الذي أنزل على إبراهيم والأنبياء بعده من ذريته ، وأنه يؤمن بهم جميعا ولا يفرّق بينهم ، وأن من يتّبع غير الإسلام الذي دعوا إليه فلن يقبل منه ، ثم ذكر أن مثل هؤلاء القوم الذين كفروا بعد إيمانهم ، وشهادتهم أن الرسول المنتظر حق ، لا ترجى هدايتهم ، وأن جزاءهم على ذلك اللعنة الخالدة والعذاب الشديد ، وأن من تاب منهم بعد ذلك وأصلح فإن الله يغفر له ما سبق منه ، وأن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا بعد ظهور الإسلام كفرا لن تقبل توبتهم ، ولن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا إذا تقرّب به إلى الله مع كفره ، ولو افتدى به يوم القيامة لم ينفعه ، فلن ينالوا البرّ حتى ينفقوا في دنياهم مما يحبون (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢).
الرد على مقالتهم الخامسة
الآيات [٩٣ ـ ٩٩]
ثم قال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٩٣). فذكر الرد على مقالتهم الخامسة ، وهي قولهم للنبي (ص) : إنك تدّعي أنك على ملّة إبراهيم ، فكيف تأكل لحوم الإبل مع أنها حرام في تلك الملة؟ وقد رد عليهم بأن ذلك كان حلالا في ملّة