المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «آل عمران» (١)
قد تقدم ما يؤخذ منه مناسبة وضعها.
قال الإمام : لما كانت هذه السورة قرينة سورة البقرة ، وكالمكملة لها ، افتتحت بتقرير ما افتتحت به تلك ، وصرّح في منطوق مطلعها بما طوي في مفهوم تلك (٢).
وأقول : قد ظهر لي بحمد الله وجوه من المناسبات.
أحدها : مراعاة القاعدة التي قررتها ، من شرح كل سورة لإجمال ما في السورة التي قبلها ، وذلك هنا في عدة مواضع.
منها : ما أشار إليه الإمام ، فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه. وقال في آل عمران : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) [الآية ٣]. وذلك بسط وإطناب ، لنفي الريب عنه.
ومنها : أنه ذكر في البقرة إنزال الكتاب مجملا ، وقسمه هنا إلى آيات محكمات ، ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله (٣).
ومنها : أنه قال في الآية ٤ من سورة البقرة : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ، وقال هنا : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
(٢). مفهوم مطلع البقرة : الدعوة إلى الإيمان بالله في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة / ٣]. وهو مصرح به في مطلع هذه السورة بقوله جلّ وعلا : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢).
(٣). وذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [الآية ٧].