المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «آل عمران» (١)
إن قيل : ما الحكمة من قوله تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) [الآية ٣] ثم قوله بعد ذلك : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٣)؟
قلنا : إنّ القرآن أنزل منجّما ، والتوراة والإنجيل نزّلا جملة واحدة. كذا أجاب الزمخشري وغيره ، يرد عليه قوله تعالى بعد ذلك : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) [الآية ٤] فإن الزمخشري قال : أراد به جنس الكتب السماوية لا الثلاثة المذكورة خصوصا ، أو أراد به الزّبور ، أو أراد به القرآن ، وكرر ذكره تعظيما. ويردّ عليه أيضا قوله تعالى بعد ذلك : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [الآية ٧] وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) [البقرة / ٤] وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان / ٣٢] والذي وقع لي فيه ـ والله أعلم ـ أن التضعيف في «نزّل» والهمزة في «أنزل» كلاهما للتعدية ، لأن نزل فعل لازم في نفسه ، وإذا كانا للتعدية لا يكونان لمعنى آخر وهو التكثير أو نحوه ، لأنه لا نظير له ، وإنما جمع بينهما والمعنى واحد ، وهو التعدية جريا على عادة العرب في افتنانهم في الكلام وتصرفهم فيه على وجوه شتى ، ويؤيّد هذا قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [الأنعام / ٣٧] وقال في موضع آخر (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [يونس / ٢٠].
فإن قيل : لقد قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «اسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.