له الذكر في خدمة المسجد ، لا أنها أرادت أن الأنثى ليست كالذكر صورة أو قوة أو نحو ذلك. فلما قالت ذلك ، منكرة خجلة ، منّ الله عليها بتخصيص مريم بقبولها في النذر دون غيرها من الإناث فقال تعالى (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) [الآية ٣٧].
فإن قيل : المستعمل في مثله إدخال حرف النفي على القاصر ، وحرف التشبيه على الكامل كقولهم : ليست الفضة كالذهب ، وليس العبد كالحر ، فوزانه : وليست الأنثى كالذكر.
قلنا : لما كان جعل الأصل فرعا ، والفرع أصلا في التشبيه في حالة الإثبات ، يقتضي المبالغة في المشابهة كقولهم : القمر كوجه زيد ، والبحر ككفه ، كان جعل الأصل فرعا والفرع أصلا ، في حالة النفي ، يقتضي نفي المبالغة في المشابهة لا نفي المشابهة ، وذلك هو المقصود هنا ، لأن المشابهة واقعة بين الذكر والأنثى في أعم الأوصاف وأغلبها. ولهذا يقاد أحدهما بالآخر. وإنما أرادت أم مريم نفي المشابهة بينهما في صحة النذرية خادما للبيت المقدس لا غير ، فلذلك عكس الثاني أن ذلك قوله تعالى ، والمعنى : ليس الذكر الذي طلبت أن يكون خادما للكنيسة كالأنثى التي وهبت لما علم الله من جعلها وابنها آية للعالمين. وهو تفسير للتعظيم والتفخيم المجمل في قوله تعالى (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [الآية ٣٦] وهي لا تعرف مقدار شرفه ، واللام في الذكر والأنثى للعهد. هذا كله قول الزمخشري وتمامه في الكشاف.
وقال الفقيه أبو الليث رحمهالله تعالى : قال بعضهم : هذا قول الله تعالى لمحمد (ع) : أي وليس الذكر كالأنثى يا محمد. وقال بعضهم : هو من كلام أم مريم.
فإن قيل : كيف نادت الملائكة زكريا وهو قائم يصلي في المحراب وأجابها وهو في الصلاة ، كما قال الله تعالى (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي) [الآية ٣٩]؟
قلنا : المراد بقوله يصلي : أن يدعو كقوله تعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) [الإسراء / ١١٠] ، أي بدعائك.
فإن قيل : ما فائدة تخصيص يحيى (ع) بقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) [الآية ٣٩]