ويصابر ، حتى لا يضيق صدره بتكذيبهم إياه ، ولا ييأس من هدايتهم. وبيّنت السورة حسن عاقبة المرسلين. وسوء عاقبة المكذّبين ؛ قال تعالى :
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤).
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠).
نبوة محمد (ص):
أثبت القرآن الوحي والرسالة ؛ ثم أثبت نبوّة محمد (ص) بالدليل القاطع والحجة البالغة. فقد نشأ هذا النبي يتيما فقيرا أمّيا في بيئة مشركة جاهلة ؛ فمن أين له هذا الكتاب المحكم الذي اشتمل على مبادئ الإصلاح العالمي كلها؟ والذي لم يستطع العلم ، في أزهى عصوره ، أن يهدم حقيقة من الحقائق التي جاء بها.
إن القرآن قد تحدّى العرب ببلاغته وقوّة بيانه ؛ فعجزوا عن الإتيان بمثله ، أو بعشر سور منه ، أو بسورة واحدة.
وقد تحدّى القرآن الزمان كله بخلوده وصحته ، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٩١].
(ج) قضية البعث والجزاء
نزلت سورة الأنعام في السنة الرابعة من البعثة بعد أن أمر الله رسوله أن يجهر بالدعوة ، وأن يعلن عن العقيدة الإلهية ، ويقرر حقيقة البعث والجزاء علنا أمام المشركين.
وقد سلكت سورة الأنعام طرقا شتّى في الاستدلال على قضية البعث ؛ فقد استدلت عليه بخلق السماوات والأرض في مقدّمتها العنوانية :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١).
فمن خلق السماوات والأرض بقدرته فهو قادر على إحياء الموتى واعادة خلق الإنسان. فخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.