قال أبو طالب : وهذا لأن الأسماء إنما تأتي على فعل مخفّف ، والجماعة تجيء على فعّل مثل صوّم وقوّم.
قال أبو الهيثم : قرأ أبو عمرو والحسن وهي قراءة ابن مسعود : حتى يلج الجمل ، مثل النّغر في التقدير.
فأما الجمل بالتخفيف فهو الحبل الغليظ ، وكذلك (الجمّل) مشدّد ، وهما قراءتان لابن عبّاس.
قال ابن جني : هو الجمل على مثال نغر ، والجمل على مثال قفل ، والجمل على مثال طنب ، والجمل على مثال مثل.
قال ابن برّي : وعليه فسّر قوله تعالى (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ، فأمّا الجمل فجمع جمل ، كأسد وأسد.
والجمل : الجماعة من الناس.
وحكي عن عبد الله وأبيّ : حتى يلج الجمّل.
أقول : لقد عدل عن الجمل ، وهو الحيوان إلى الجمل والجمّل وهو الحبل الغليظ والعدول وجه مقبول.
وأما الخياط فهو المخيط ، والخياط بوزن فعال ، من أوزان الآلة والأداة نحو الصّمام ، والقناع ، والعفاص ، والوكاء ، والسّداد ؛ واللّثام وكثير غير ذلك. ولعل هذا من الأبنية القديمة قبل أن يكون للالة أبنية قياسية هي : مفعل ، ومفعلة ، ومفعال نحو مبرد ، ومجرفة ، ومكسار.
١٢ ـ وقال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) [الآية ٤٤].
قالوا : «أن» ، في قوله تعالى (أَنْ قَدْ وَجَدْنا) يحتمل أن تكون مخفّفة من الثقيلة ، وأن تكون مفسّرة كالتي في الآية السابقة.
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) [الآية ٤٣].
أقول : أن تكون مفسّرة أوجه ، ذلك أنها تتصدّر الكلام الذي نودي به ؛ ولعلّهم جعلوها مخفّفة من الثقيلة ، لأن الجملة التي جاءت بعدها قد صدّرت ب «قد» ، وعندهم أنّ المخففة إن وقع خبرها جملة فعلية ، فلا يخلو : إما أن يكون الفعل متصرّفا أو غير متصرف ، فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل ؛ وإن كان متصرّفا غير دعاء ، فصل بفاصل في الأكثر ، والفاصل هو «قد» أو حرف التنفيس ، أو حرف نفي ، أو لو.