أقول : فلمّا سبق الفعل في الآية المذكورة «قد» ، ذهبوا إلى أنّ «أن» مخفّفة من الثقيلة. والذي يعضد أنها مفسّرة ، ما ورد من الآيات التي صدرت بفعل النداء وهو : نادى ، ونودوا ، كما في الآية الثالثة والأربعين من هذه السورة ، وقد أشرنا إلى ذلك ، والآية السادسة والأربعين ، من هذه السورة أيضا ، وفيها قوله تعالى : (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) والآية الخمسين من السورة نفسها ، وفيها قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ).
١٣ ـ وقال تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الآية ٤٦].
«الأعراف» ، أعراف الحجاب ، وهو السور المضروب بين الجنّة والنار ، وهي أعاليه ، جمع عرف ، استعير من عرف الفرس وعرف الديك.
أقول : وهذا من معالم الاخرة التي أثبتتها لغة التنزيل كالصّراط وعلّيّين ، وغيرهما.
١٤ ـ وقال تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الآية ٤٦].
السيما : هي العلامة التي أعلمهم الله تعالى بها.
وقد جاءت «السيما» في ست آيات من سور مختلفة بهذا المعنى الذي ذكرناه ، ومنها : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : ٢٩].
ولقد أدرج أهل المعجمات «السيما» في «سوم» وقالوا فيها :
والسّومة والسّيمة والسّيماء والسّيمياء : العلامة ، وسوّم الفرس : جعل عليه السيّمة ، أي : العلامة ، وقالوا : إنّ «السّيما» ياؤها واو.
وللكلمة عدّة صيغ ، ومنها المدّ «سيماء» وهي لغة.
قلت : أدرج أهل المعجمات هذه الكلمة في «سوم» ، وهي ألصق ب «الوسم» وليس شيئا أن يحدث القلب في الأصوات في الكلمات العربية ، ألا ترى أنهم قالوا : ساوى وواسى مثلا (١).
١٥ ـ وقال تعالى : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ
__________________
(١). لقد لمح الغربيون المستعربون أن «سيما» قد تكون من Z Sema z اليونانية ، وتعني العلامة ، ومنها أخذ semantiqueوsemeiologie ويراد بالأولى علم الدلالة ، وبالثانية علم دلالة الألفاظ.