والحقيقة أن لفظ «من» يكون مفردا وجمعا في المعنى. وكأن الآية حين حمل الجزء الأخير منها على المعنى ، فجاء قوله تعالى (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، كان ذلك مراعاة للسياق الذي درجت عليه السورة ، فالفواصل كلها بالنون ، ومن أجل ذلك حمل على المعنى.
٤٢ ـ وقال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [الآية ١٨٠].
قوله تعالى : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) ، أي واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها ، فيسمّونه بغير الأسماء الحسنى.
أقول : اشتهر الإلحاد بأنه الكفر بالله ، والإشراك به والشك فيه ، وهذا مجاز ، حقيقته الميل والعدول عن الشيء ، وقد جاء في الآية على الحقيقة.
ويعرض للألفاظ ان يشتهر فيها المجاز ، وتترك الحقيقة ؛ هذا كثير ، نتبيّنه في جمهرة كبيرة من الكلم.
٤٣ ـ وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٢).
قوله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) ، أي سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ، ونضاعف عقابهم.
أقول : و «الاستدراج» من الكلم المعروف في اللغة المعاصرة ، ويراد به استدناء المرء بضرب من الحيلة والمخادعة ، لأخذه بشيء ، والإفادة منه.
٤٤ ـ وقال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) [الآية ١٨٧].
السؤال عن الساعة وعن موعدها ، وقوله تعالى (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) معناه : كأنك عالم بها.
وحقيقته : كأنك بليغ في السؤال عنها ، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه ، استحكم علمه فيه ورصن ؛ وهذا التركيب ، معناه المبالغة. ومنه إحفاء الشارب ، واحتفاء البقل : استئصاله.
وأحفى في المسألة إذا ألحف. وحفى بفلان وتحفّى به : بالغ في البرّ به (١) وجاء في «الانتصاف» (٢) : وفي
__________________
(١). «الكشاف» ٢ : ١٨٤.
(٢). «الانتصاف» لأحمد المنير الإسكندري ، حاشية على «الكشاف» ٢ : ١٨٤.