وصدق الأب في طاعة ربه ، وصدق الابن في الوفاء والامتثال ؛ وعزم الأب على ذبح ابنه ، وأخلص النيّة ؛ فلما ظهر منه صدق النيّة ، فدي إسماعيل بكبش عظيم ، وأصبحت الأضحية سنّة في كل عام ، يذبحها الغنيّ المقتدر ويوزّع من لحمها على الفقراء وعلى الأصدقاء ، ذكرى للتضحية والفداء ، واقتداء بإبراهيم الخليل. وكم لإبراهيم من مواقف جليلة عظيمة في مصر ، وفي فلسطين ، وفي جوار بيت الله الحرام ، وفي بناء الكعبة ؛ وهو يخلص الدعاء لله في كل عمل. وقد مدحه القرآن ، ووصفه بأحسن الصفات ، إذ يقول جل جلاله :
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٠) [النحل].
٨ ـ الوصايا العشر
افتتح الربع الأخير من سورة الأنعام ، بالدعوة إلى عشر وصايا هي النهي عن الإشراك بالله ، والأمر بالإحسان إلى الوالدين ، والنهي عن قتل الأولاد مخافة الحاجة ، والنهي عن مقاربة الفاحشة في السرّ أو العلن ، والنهي عن قتل النفس التي حرّم الله قتلها. ثم أمرت الآيات بالإحسان إلى اليتيم ، وإتمام الكيل والميزان ؛ كما أمرت بالعدل في كل شيء ؛ وأمرت بالوفاء بالعهد ، والاستقامة على الصراط القويم.
الوصية الأولى : من هذه الوصايا العشر التي وردت في سورة الأنعام قوله تعالى :
(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [الآية ١٥١] ، وهي الأساس الذي يصلح عليه أمر الناس ، فإنّ المجتمع الذي يقوم على إيثار الله على كلّ ما سواه هو المجتمع الفاضل المثاليّ السعيد ؛ أما المجتمع الذي يشرك بالله أحدا أو يشرك بالله شيئا ، فإنه مجتمع منحلّ ، تسيّره المادة الصماء التي لا روح فيها ولا صلاح ولا قرار معها.
والوصية الثانية :
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الآية ١٥١].
فالوالدان سبب في حياة الولد ؛ فيجب أن يشكرهما ويحسن إليهما ، خصوصا في حالة الكبر والشيخوخة.
والوصية الثالثة :
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) [الآية ١٥١].