بآذانهم ، ولكنهم لا يسمعون بقلوبهم ، لأنهم لا يستجيبون ولا يهتدون.
ثم تدعو السورة إلى الاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم ، ولو خيّل إليهم أن فيه القتل والموت ، وتذكّرهم كيف كانوا قليلا مستضعفين يخافون أن يتخطّفهم الناس ، فأعزّهم الله ونصرهم ، وأنهم ، إذا اتقوا الله جعل لهم فرقانا من النصر الكامل ، ذلك فوق تكفير السيئات وغفران الذنوب ، وما ينتظرهم من فضل الله الذي تتضاءل دونه المغانم والأموال.
وكما وضعت سورة الأنفال صفحة في كتاب الإسلام عن الجهاد ، فإنها قابلتها بصفحة أخرى عن السلم لمن يجنح إليه ويختار الهدنة. ويتّضح لنا من السورة ، أن السلم هو القاعدة في الإسلام ، أما الحرب فطارئة لدفع الباطل وإقرار الحق ؛ ثم يدعو الإسلام إلى السلم دعوته إلى الجهاد ، ويحافظ على العهد ما وفي به المعاهدون ، ويؤمّن المخالفين للإسلام في العقيدة من كل اعتداء غادر ، ويحصر الحروب في أضيق نطاق تقضي به ضرورة تأمين السلم والحق والعدل.
يقول سبحانه وتعالى :
(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦١).
والتعبير عن الميل إلى السلم بالجنوح ، تعبير لطيف ، يلقي ظل الدعة الرقيق ، فهي حركة جناح يميل إلى السلم ، ويرخي ريشه في وداعة واطمئنان ، فإذا الجوّ من حوله طمأنينة وسلام.
وهناك حالة استثنائية واحدة ، هي حالة جزيرة العرب ، التي سيجيء في سورة براءة ، نبذ عهود المشركين فيها جميعا ، وتخليصها من الشرك كافّة ، لتكون موطنا خالصا للإسلام.
صفات المؤمنين
تعرّضت سورة الأنفال لبيان صفات المؤمنين ، كما ورد تحديد هذه الصفات في أول سورة «البقرة» وأول سورة «المؤمنون» ، وفي سورة «الفرقان» وفي كثير من السور.
وإذا استوعبنا هذه الآيات ، وجدناها تدور حول تحديد المؤمن ـ الذي يريده الله ـ بمن يجمع بين سلامة العقيدة وسلامة الخلق ، وصلاح العمل ، وبمن يكون في ذلك كله ، مثالا صادقا ، وصورة صحيحة لأوامر الله وإرشاداته.