بالنبي (ص) في ليلة الهجرة ، وأنه سبحانه مكر بهم فدبّر أمره حتى نجّاه منهم. وأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته في إنذارهم ووعيدهم ، لم يؤمنوا بها ، وسألوه أن يمطرهم حجارة من السماء ، أو يأتيهم بعذاب أليم إن كانت من عنده ، وأنه ما كان ليعذّبهم والنبي معهم في مكة ، وهم يستغفرونه ، ويتوبون إليه ، واحدا بعد واحد.
ثم ذكر أنهم يستحقون ما طلبوه من العذاب ، لأنهم يصدّون عن المسجد الحرام ، ولم تكن صلاتهم فيه إلا صفيرا وتصفيقا ، ثم ذكر أنه أذاقهم ما طلبوه من العذاب يوم بدر ، وأنهم سيغلبون بعد هذا ، ثم يحشرون إلى جهنّم ، فيذوقون عذابها بعد عذاب الدنيا ، ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم ، أنهم إن ينتهوا عن كفرهم يغفر لهم ما سلف منهم ، وإن يعودوا إلى القتال فسيصيبهم ما أصاب أمم الكفر قبلهم ؛ وأمر المؤمنين أن يستمرّوا في قتالهم حتى لا يفتنوهم في دينهم ، ويكون الدين كله لله ، فإن انتهوا عن الكفر والقتال فإن الله بما يعلمون بصير (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠).
مصرف الأنفال
الآيات (٤١ ـ ٧٥)
ثم قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الآية ٤١] ، فذكر أن خمس الأنفال يصرف لمن ذكرهم ، والباقي ، وهو أربعة أخماسها ، يصرف للغانمين ؛ ثم أيد حقه وحق المذكورين في الخمس ، بأنه جلّ وعلا الذي أنزل النصر يوم بدر ، وقد نزلوا بالعدوة الدّنيا بعيدين عن الماء ، ونزل المشركون بالعدوة القصوى قريبين منه ، ولو تواعد الفريقان على القتال لاختلفوا في الميعاد ، لقلّة المسلمين وكثرة المشركين ، ولكنّ الله جمع بينهم على هذا الحال ليكون النصر معجزة من المعجزات (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الآية ٤٢] ثم أيده أيضا بأنه الذي أراهم للنبي (ص) في منامه قليلا ليقدموا على قتالهم ، ثم قلّلهم في أعين المؤمنين بعد التقائهم بهم لتقوى قلوبهم ، ثم ذكر ما كان من أمره لهم أن يثبتوا ويستعينوا به ويطيعوا رسوله ، وما كان من نهيه لهم أن يتنازعوا ويخرجوا كالمشركين بطرا