المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الأنفال» (١)
اعلم أن وضع هذه السورة وبراءة هنا ، ليس بتوقيف من الرسول (ص) والصحابة ، كما هو الراجح في سائر السور ، بل اجتهاد من عثمان رضي الله عنه.
وقد كان يظهر في بادئ الرأي : أن المناسب إيلاء الأعراف بيونس وهود ، لاشتراك كل منها في اشتمالها على قصص الأنبياء ، وأنها مكية النزول ، خصوصا أن الحديث ورد في فضل السبع الطوال ، وعدّوا السابعة يونس ، وكانت تسمّى بذلك ، كما أخرجه البيهقي في الدلائل (٢). ففي فصلها من الأعراف ، بسورتين هما الأنفال وبراءة ، فصل للنظير عن سائر نظائره ، هذا مع قصر سورة الأنفال ، بالنسبة إلى الأعراف وبراءة.
وقد استشكل ابن عباس حبر الأمة قديما ذلك. فأخرج أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائي وابن حبّان والحاكم ، عن ابن عباس ، قال ، قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني (٣) ، وإلى براءة وهي من المئين (٤) ، فقرنتم بينهما ، ولم
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). السبع الطوال كما أخرج النسائي : ١ : ١١٤ عن ابن عباس : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والانعام ، والأعراف. وأورد السيوطي نقلا عن ابن أبي حاتم وغيره عن سعيد بن جبير : أن السابعة يونس (الإتقان : ١ : ٢٢٠).
(٣). المثاني : إما أنها من الثناء. أو فيها الثناء والدعاء. أو لأنها تثنى بغيرها. (الإتقان : ١ : ١٩٠) وقيل : لأنها ثانية للمئين ، تالية لها وقبل : لتثنية الأمثال فيها بالعبر. حكاه السيوطي عن النّكزاوي (الإتقان : ١ : ٢٢٠).
(٤). المئين : ما زادت آياتها على المائة أو قاربتها ، وهي ما وليت الطول (الإتقان : ١ : ٢٢٠).