المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الأنفال» (١)
وقوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الآية ٧].
وهذه استعارة عجيبة : لأن ذات الشوكة هاهنا ، إحدى الطائفتين التي فيها سلاح الأبطال وآلة النزال ؛ وذلك أنّ النبي (ص) خرج بالمسلمين يطلب عير قريش ، المقبلة من الشام مع أبي سفيان بن حرب ، وفيها أموالها وذخائرها وعرفت قريش خروجه (ص) ؛ لذلك فخرجت لتمنع عيرها ، وتقاتل دونها. فلما عرف المسلمون خبر خروج قريش للقتال ، كانوا يتمنّون أن يخالفوهم إلى العير فيغنموها ، ويكون ظفرهم بالطائفة التي فيها الغنم ، لا الطائفة التي فيها الجد والحد. فجمع الله بينهم وبين قريش على بدر ، وكانت الحرب المشهورة التي قتل فيها صناديد المشركين ، واشتدّت أعضاد المؤمنين. والكناية بذات الشوكة ، عن ذات السلاح والعدّة ، من أشرف البلاغة وأوقع الاستعارة ، تشبيها بالشوكة (٢) تخز (٣) ، والمدية التي تخرّ.
وقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الآية ٢٤].
وهذه استعارة ، على بعض التأويلات المذكورة في هذه الآية ؛ والمعنى أنّ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق : محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). سياق الكلام يقتضي أن يكون : بالشوكة التي تخز ، ولعل لفظة «التي» سها عنها الناسخ.
(٣). من خزّ : خزّه بالرمح أي طعنه.