الله ، تطلب مغفرته ورحمته ، فتاب الله عليهم ، وألهمهم طريق التوبة والسداد ، إن الله هو التواب الرحيم.
علاقات المسلمين بغيرهم
سورة التوبة ، هي آخر سور القرآن نزولا ؛ وفي هذه السورة نجد القول الفصل في علاقات الأمة المسلمة بالمشركين ، وبأهل الكتاب ، وبالمنافقين ؛ وهذا هو موضوعها الذي تدور حوله.
لقد كانت بين المسلمين وبعض المشركين عهود ، ولم يكن المشركون يحافظون على عهودهم ، إلّا ريثما تلوح لهم فرصة ، يحسبونها مؤاتية للكرّة على المسلمين ، وكان المشركون ، حتى بعد فتح مكة ، يطوفون بالبيت عرايا ، على عادتهم في الجاهلية ، ويصفّقون ، ويصفرون ، مخلّين بكرامة البيت العتيق ، فلم يكن بدّ من أن تخلص الجزيرة العربية للإسلام ، وأن تتخلّص من الشرك.
والجهاد ، هو الوسيلة لتطهير الجزيرة من رجس المشركين والمنافقين ؛ ثم تناولت السورة موضوع الجهاد بالنفس ، والمال ، وبيّنت شرفه وأجره. وأنحت على المتخلّفين القاعدين ، واستجاشت وجدان المسلمين الى قتال الكفار المنافقين ، بما صوّرت من كيدهم للمسلمين ، وحقدهم عليهم ، وتمني الشر لهم ، وما تحمله نفوسهم من الخصومة والبغضاء ، وما وقع منهم للرسول (ص) ومن معه من المؤمنين ؛ وبذلك كانت سورة التوبة ، تحمل القول الفصل في علاقات المسلمين بغيرهم ، وتحدّد موقفهم الحاسم الأخير.
وقد لوّنت السورة أساليب الدعوة إلى الجهاد ، فحينا تنكر على المؤمنين تثاقلهم وإخلادهم إلى الأرض ، وحينا آخر تهتمّ بتطهير الجيش من عناصر الفتنة والخذلان ، ومرة أخرى توضح أن سنة الله ماضية لا تتخلّف ؛ وأن من قوانين الحق سبحانه ، أنّ البقاء والعزة والسلطان ، إنّما هو يكون للعاملين المجاهدين ؛ أمّا المتباطئون والمتثاقلون ، الذين يؤثرون حياتهم ، ويضنّون بأنفسهم وأموالهم ، ويخلدون إلى الأرض ، ويعرضون عن دعوة الجهاد في سبيل حريتهم وبقائهم ، فإنهم لا بدّ ذاهبون ، وهم لا محالة مستذلّون مستعبدون.