المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «التوبة» (١)
أقول : قد عرف وجه مناسبتها ، ونزيد هنا أن صدرها (٢) تفصيل لإجمال قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨]. وآيات الأمر بالقتال متصلة بقوله سبحانه هناك : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠]. ولذا قال هنا في قصة المنافقين : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا) [الآية ٤٦].
ثم إن بين السورتين تناسبا من وجه آخر ، وهو : أنه سبحانه ، في الأنفال ، تولّى قسمة الغنائم ، وجعل خمسها خمسة أخماس (٣) ، وفي براءة تولّى قسمة الصدقات ، وجعلها لثمانية أضعاف (٤).
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). صدر التوبة : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) إلى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [الآيات ٣ ـ ٥].
(٣). وذلك قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال : ٤١].
(٤). وذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠).