المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الأنعام» (١)
قال بعضهم : مناسبة هذه السورة لآخر المائدة : أنها افتتحت بالحمد ، وتلك ختمت بفصل القضاء ، وهما متلازمتان ؛ كما قال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧٥) [الزّمر].
وقد ظهر لي بفضل الله مع ما قدمت الإشارة إليه في آية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٤]. أنه لما ذكر في آخر المائدة (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٢٠) [المائدة : ١٢٠] على سبيل الإجمال ، افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله.
فبدأ بذكر : أنه خلق السماوات والأرض ، وضم إليه أنه جعل الظلمات والنور ، وهو بعض ما تضمنه قوله تعالى : (وَما فِيهِنَ) في آخر المائدة. وضمن قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أول الأنعام أن له ملك جميع المحامد ، وهو من بسط : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) (١٢٠) في آخر المائدة.
ثم ذكر سبحانه ، أنه خلق النوع الإنساني ، وقضى له أجلا مسمّى ، وجعل له أجلا آخر للبعث ؛ وأنه جلّ جلاله ، منشئ القرون قرنا بعد قرن ، ثم قال : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٢]. فأثبت له ملك جميع المنظورات. ثم قال (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الآية ١٣] فأثبت له ملك جميع المظروفات
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق : عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨.