المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «التوبة» (١)
.............. (٢)
على الحقيقة هي التقارب بالحدود مثل المسامتة ، وهي المماثلة في السّمت الذي هو الجهة ، وذلك من صفات الأجسام ، وذوات الحدود والأقطار. فالمراد إذن بالمحادّة هاهنا كون الإنسان في غير الحدّ الذي فيه أولياء الله سبحانه. فكأنهم في حدّ ، وأولياء الله سبحانه في حدّ. وكذلك الكلام في مشاقّة الله تعالى على أحد التأويلين ، وهو أن يكون الإنسان في شقّ أعداء الله وحربه ، لا في شقّ أوليائه وحزبه.
وحقيقة الكلام أن يكون المراد به محادّة أولياء الله على الصفة التي ذكرناها فقال تعالى : (يُحادِدِ اللهَ) [الآية ٦٣] كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب : ٥٧] أي يؤذون أولياء الله ورسوله ، لأنّ الأذى لا يجوز على من لا تلحقه المنافع والمضار ، والمساآت والمسارّ.
وفي قوله سبحانه : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [الآية ٦٤] وهذه استعارة. لأن السورة ، نطقها من جهة البرهان ، لا من جهة اللسان. فكأنه سبحانه ، أراد أنّ الناس يعلمون ، بهذه السورة ، النازلة في المنافقين ، بواطن نفوسهم ، وعقائد قلوبهم.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). هنا بداية القسم الموجود من سورة التوبة ، أما ما قبل ذلك فمفقود مع آخر قسم من سورة الأعراف.