٢ ـ لم سميت بسورة الأنعام
سمّيت هذه السورة بسورة الأنعام ، والأنعام ذوات الخفّ والظّلف : وهي الإبل والبقر والغنم بجميع أنواعها ، لأنّها هي السورة التي عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور ، فقد ورد ذكر الأنعام في مواضع كثيرة من القرآن عرضا ؛ أمّا سورة الأنعام ، فقد جاءت بحديث طويل عن الأنعام استغرق خمس عشرة آية ، من أول الآية ١٣٦ إلى آخر الآية ١٥٠. وقد تناول الحديث عن الأنعام في هذه الآيات من السورة جوانب متعددة ، تتصل بعقائد المشركين ، فبينت السورة ما في عقائدهم من الخلل والفساد ، إذ كانوا يحرمون بعض الأنعام على أنفسهم ، ويجعلون قسما من الأنعام لآلهتهم وأصنامهم ، وقسما لله ، ثم يجورون على القسم الذي جعلوه لله فيأخذون منه لأصنامهم.
٣ ـ تاريخ نزول السورة
نزلت سورة الأنعام في السنة الرابعة من البعثة المحمّديّة ، أي عقب أمر النبي (ص) أن يصدع بالدعوة ويعلنها للناس بعد أن أسرّ بها ثلاث سنين.
وتميّزت الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام بقسوة المشركين وعنفهم في مقاومة الدعوة الإسلامية وإنكارها ، فقد بدأت الدعوة سرّا ، ثم جهر النبي (ص) بدعوته في مكة. ونزلت سورة الأنعام بعد الجهر بالدعوة بسنة واحدة ، فاستعرضت الأدلة على توحيد الله وقدرته ثم ساقت أدلة المشركين وشبههم فأبطلتها وفندتها.
وقد أخذ المشركون بالنجاح الذي صارت عليه دعوة الإسلام حتى استطاعت أن تعلن عن نفسها بعد الخفاء ، وأن تتحدّى بصوت عال ونداء جهير ، بعد أن كان المؤمنون بها يلجئون إلى الشعاب والأماكن البعيدة ليؤدّوا صلاتهم ، ورأى المشركون أن محمدا (ص) ماض في إعلان دعوته وتلاوة ما أنزل عليه من الكتاب ، وفيه إنذار لهم وتفنيد لمعتقداتهم ، وتسفيه لآرائهم ، وإنكار لآلهتهم ، وتهكّم بأوثانهم وتقاليدهم البالية ، فكان منهم من يستمع للقرآن متأثّرا بقوّته أو متذوّقا لبلاغته ، ومنهم من يبعد عنه خوفا منه. يومئذ واجهت دعوة الحق أعداءها مسفرة واضحة متحدّية ، ووقف هؤلاء الأعداء مشدوهين مضطربين ، يشعرون