المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الأنعام» (١)
إن قيل : لم جمعت الظلمة دون النور في قوله تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)؟ [الآية الأولى].
قلنا : ترك جمعه استغناء عنه بجمع الظلمة قبله فإنه يدل عليه ، كما ترك جمع الأرض أيضا استغناء عنه بجمع السماء قبله في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الآية الأولى]. الثاني أن الظلمة اسم ، والنور مصدر ، والمصادر لا تجمع.
فإن قيل : ما الحكمة من قوله تعالى (وَجَهْرَكُمْ) [الآية ٣] بعد قوله سبحانه (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) ومعلوم أن من يعلم السر يعلم الجهر بالطريق الأولى؟
قلنا : إنّما ذكره للمقابلة كما في قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٢٠٣] في بعض الوجوه.
فإن قيل : لم خصّ السكون بالذكر دون الحركة في قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الآية ١٣] على قول من فسره بما يقابل الحركة؟
قلنا : لأن السكون أغلب الحالتين على كل مخلوق من الحيوان والجماد ، ولأن الساكن من المخلوقات أكثر عددا من المتحرك ؛ أو لأنّ كلّ متحرّك يصير إلى السكون من غير عكس ؛ أو لأنّ السكون هو الأصل والحركة حادثة عليه وطارئة. وقيل فيه إضمار تقديره : ما سكن وتحرك ، فاكتفى بأحدهما اختصارا لدلالته على مقابله ، كما في قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي والبرد.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرخ.