الحي ، ومع الحبة المستكنة في ظلام الأرض ، والنطفة المستكنة في ظلام الرحم. ثم تموج بالجن والإنس ، والطير والوحش ، والأوّلين والآخرين والأحياء والأموات ، والحفظة من الملائكة على النفس بالليل والنهار ..
إنه الحشد الكوني الذي يزحم أقطار النفس ، وأقطار الحس ، وأقطار اللمس وأقطار الخيال .. ثمّ إنّها اللمسات المبدعة المحببة ، التي تنتفض المشاهد بعدها والمعاني ، أحياء تمرح في النفس والخيال. وإذا كلّ مكرور مألوف من المشاهد والمشاعر ، جديد نابض ، كأنما تتلقّاه النفس أول مرة ، ولم يطلع عليه من قبل ضمير إنسان. إلا أنّها القدرة المبدعة تتبدّى في صورة من صورها الكثيرة ، فما يقدر على بث الحياة هكذا في الصور والمشاعر والمعاني ، إلا الله سبحانه الذي بث في الوجود الحياة.
٦ ـ الأغراض الرئيسة
لسورة الأنعام
إن الأغراض الرئيسة التي استهدفتها هذه السورة الكريمة هي تركيز العقائد الأساسية الثلاث التي كان المشركون يومئذ يتنازعون فيها ، وهذه العقائد الأساسية هي :
أولا : توحيد الله. ويتصل بهذا إقامة الدليل على وحدة الألوهيّة ، بلفت النظر إلى آثار الربوبية ، وإلى صفات الله الخالق المتصرف ، كما يتصل بها إبطال عقيدة الشرك ، وشبهات المشركين ، وتقرير أن العبادة والتوجّه والتحريم والتحليل ، إنما ترجع إلى الله.
ثانيا : الإيمان برسوله الذي أرسل ، وكتابه الذي أنزل ، وبيان وظيفة هذا الرسول ، ورد الشبهات التي تثار حول الوحي والرسالة.
ثالثا : الايمان باليوم الاخر وما يكون فيه من ثواب وعقاب وجزاء. وسوف نتناول كل غرض من هذه الأغراض بالتوضيح :
(أ) وحدة الألوهيّة :
لقد بدأت سورة الأنعام بتقرير الحقيقة الأولى في كل دين وعلى لسان كل رسول ، تلك الحقيقة التي تؤمن بها الفطر السليمة ويدل عليها العالم بأرضه وسمائه. وما فيه من مخلوقات ناطقة