شيء ، لأنّ هذا النظر لا بد أن يثمر الإيمان بالله.
بل تلفت الإنسان إلى نفسه ، ليتفكّر في داخله كيف خلق؟ وكيف يفكّر وكيف يعيش وكيف يموت؟
وبهذا ، تكون الحجة عامّة ، لكلّ ذي عقل سليم وفطرة صافية ، وإخلاص في تطلّب الحقيقة من دلائلها المبثوثة في آفاق السماوات والأرض ، ولذلك يقول جل شأنه :
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣) [فصلت].
(ب) قضية الوحي والرسالة
كما تحدثت سورة الأنعام عن الألوهيّة والربوبيّة ، ولفتت الناس إلى مظاهر هما في الخلق والتصرف والتدبير المحكم ، تحدثت عن حقيقة ثانية تنبني على الإيمان بهذه الحقيقة الأولى : ذلك أنّ من شأن الإله ، أن يهدي عباده ، ويرشدهم إلى ما تصلح به أمورهم ، وتقوم عليه سعادتهم في دنياهم وأخراهم.
ومن رحمة الله بعباده ، أن أرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم الكتاب ؛ لهداية الناس من الضلالة إلى الهدى ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وقد عنيت سورة الأنعام بهذه الحقيقة ، فتحدّثت ، في كثير من آياتها ، عن الوحي والرسالة من جوانب شتّى ، بعضها يتّصل بإثبات الوحي وبيان حكمته والرد على منكريه ؛ وبعضها يرجع إلى بيان ما هو من وظيفة الرسول وما ليس من وظيفة ؛ وبعضها يتصل بموقف الناس أمام الرسالات الإلهية ، وبعضها يتعلّق بالآداب التي رسمها الله للرسول ، وما ينبغي أن يكون عليه سلوكه مع مخالفيه وموافقيه. قال تعالى :
(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الآية ١٩].
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١١٤).
تكذيب المرسلين :
عرضت السورة لموقف المكذّبين من الرسالة ، وبينت أن التكذيب سنة قديمة. فعلى الرسول أن يصبر