قوله تعالى : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أي : يقبل عليكم إقبالة واحدة ، لا يلتفت عنكم إلى غيركم. والمراد سلامة محبّته لهم ، ممّن يشاركهم فيها وينازعهم إيّاها.
أقول : وهذا من مجازات القرآن البديعة ، واستعمال الوجه وخلوّه ، لمعنى الإقبال من كون الرجل يقبل بوجهه ، وهو كقوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن / ٢٧].
٦ ـ وقال تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (١٠).
المعنى : بعض السيارة ، أي : بعض الأقوام الذين يسيرون في الطريق. بالتاء على المعنى ، لأن بعض السيّارة سيارة.
وقرئ : «تلتقطه» بالتاء على المعنى ، لأن بعض السيارة سيارة.
أقول : وعلى هذا تكون «بعض» دالة على الجمع ، وليس الواحد ، كما ذهب غير واحد من أهل عصرنا.
ثم إن «السيارة» اسم جمع ، وبناء «فعّالة» من أبنية الجمع القديم ، كالبغّالة ، والجمّالة ، والحمّارة لأصحاب البغال والجمال والحمير ، ومنه الرجّالة ، والجلّابة ، والميّارة.
أقول : وهذا بناء من أبنية الجمع القديم ، ولا سيما لأصحاب الحرف كالطّحّانة ، والدّهّانة ، والصّبّاغة ، وغيرهم ، للعاملين في حرف الطحن للحبوب ، والعاملين في بيع الدهان ، والعاملين في الصباغة.
وما زال هذا الجمع واسع الاستعمال في العربية السائرة ، كالسّمّاكة لباعة السّمك ، والسفّانة للعاملين في السفن ، والحصّانة لأصحاب الخيل ، وغير ذلك كثير.
٧ ـ وقال تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) [الآية ١٧].
والمعنى : وما أنت بمصدّق لنا.
أقول : وهذا غير بعيد من «المؤمن» ، وهو واحد المؤمنين ، كالمؤمن بالله فهو مصدّق لله ، مقرّ بحقيقته ، وعدله ، ووحدانيته ، وسائر صفاته ، جلّ شأنه.
٨ ـ وقال تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) [الآية ١٨].
والمعنى : بدم ذي كذب. أو وصف بالمصدر مبالغة ، كأنه نفس الكذب