وعينه ، كما قالوا للكذّاب : هو الكذب بعينه والزّور بذاته (١).
أقول : وقولهم : شاهد عدل ، هو من هذا الباب ، أي شاهد ذو عدل ، أو من باب الوصف بالمصدر مبالغة ، كما قلنا في الآية.
٩ ـ وقال تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [الآية ٢٢].
أي : آتيناه حكمة وعلما.
ودلالة الحكم على الحكمة ، ممّا أثبتته لغة التنزيل ، وذلك لأن «الحكم» في غير لغة القرآن قد يفيد الحكمة ، ولكنّه نادر كل النّدرة ؛ والغالب فيه مصدر الفعل «حكم» ، وهذا الفعل مشهور معروف في دلالته الكثيرة.
١٠ ـ وقال تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [الآية ٢٣].
المراودة : مفاعلة من «راد يرود» ، إذا جاء وذهب ، كأنّ المعنى : خادعته عن نفسه ، أي فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن الشيء ، الذي لا يريد أن يخرجه من يده ، يحتال أن يغلبه عليه ، ويأخذه منه ، وهي عبارة عن التحمّل ، لمواقعته إيّاها.
أقول : وغلبت «المراودة» على محاولة خداع المرأة ، لأجل النيل من شرفها وعفّتها ، وذلك لأن المعربين لم يعرفوا استعمالات راود الأخرى ، التي تبتعد عن هذه المحاولة الدنيئة ، وهذا الضيق في المعنى من سمات لغة العصر.
ومن هذه الدلالات لهذا الفعل ، قوله تعالى : (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١).
والمراودة هنا هي المخادعة أيضا ، ولكنها لا تتصل بالاعتداء على العفة والشرف ، كما رأينا في الآية : ٢٣.
والمراودة هنا في هذه الآية الأخيرة ، هي ضرب من الاجتهاد والاحتيال ، لانتزاع إخوة يوسف لأخيهم ، الذي سأل عنه يوسف ، وهو أخو يوسف وشقيقه «بنيامين».
وقوله تعالى : (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) قيل : كانت سبعة ، ومن أجل كثرة الأبواب استعمل الفعل المضاعف ، فالتضعيف يفيد الكثرة.
__________________
(١). «الكشاف» : ٢ / ٤٥١.