أقول : وليس من هذا قول المعاصرين : وبدا لي أن أفعل كذا وكذا ، ويبدو لي أنّ الأمر كذا وكذا ، فالفاعل فيها ظاهر ، وهو المصدر من أن والفعل ، وأن واسمها وخبرها.
١٦ ـ وقال تعالى : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) [الآية ٣٨].
قوله تعالى : (ما كانَ لَنا) أي : ما صحّ لنا معشر الأنبياء ، أن نشرك بالله.
أقول : وهذا من معاني «كان» ، وقد مرّ بنا نظيره في آيات أخرى.
١٧ ـ وقال تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [الآية ٤٠].
قوله تعالى : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي : ما أنزل الله بتسميتها من حجّة.
أقول : أساء المعاصرون استعمال هذه الآية ، واقتباسها في مواطن يمتنع اقتباسها امتناعا مطلقا ، فيقولون مثلا : هذه أخبار ما أنزل الله بها من سلطان ، أي : محض كذب وباطل.
والكذب والباطل لا يمكن بأي حال أن ينزل بها حجة من الله ، وليس هذا كحال الأمم السالفة ، التي أشار إليها الله في آياته ، فقد كانوا يعبدون أصناما وأوثانا ، ما أنزل الله بها حجّة ، توجب عبادتها ، فليس هذا مثل ذاك.
١٨ ـ وقال تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ) [الآية ٤٣].
القول في هذه الآية على «البقرات والسنبلات واليابسات» فكلّها جمع مؤنث بالألف والتاء ، وهذا الجمع من الجموع التي تنصرف إلى القلة في الغالب. أقول في الغالب ، لأنه قد يأتي من الأسماء المؤنّثة وغيرها ، ما لا يجمع إلّا بالألف والتاء ، فلا يمكن في هذه الحالة أن ينصرف إلى القلة إلّا بقرينة كالعدد وغيره ، فإذا قلنا مثلا : حمامات ، فهي جمع كثرة إلّا إذا قلنا : سبع حمامات. أمّا الجموع في الآية ، فهي للقلة من غير أن تكون مقيّدة بالعدد «سبع» ، ألا ترى الى قوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) [البقرة / ٧٠].
(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) [الأنعام / ١٤٦].
ولو أريد الكثرة أيضا لقيل «سنابل» ،