كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [الآية ٨٢].
وهذه استعارة من مشاهير الاستعارات. والمراد : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ، وأصحاب العير التي أقبلنا فيها. ومما يكشف عن ذلك ، قوله تعالى في السورة التي يذكر فيها الأنبياء عليهمالسلام : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) (٧٤) [الأنبياء]. والقرية هي الأبنية المفروشة ، والخطط المسكونة لا يصحّ منها عمل الخبائث ؛ فعلم أن المراد بذلك أهلها. ومن الشاهد على ذلك أيضا ، قوله سبحانه : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) (٧٧) [الأنبياء]. وقال بعضهم : إن القرية هي الجماعة المجتمعة ، لا الأبنية المشيدة. وذلك مأخوذ من قولهم : قرى الماء في الحوض. إذا جمعه ؛ والعير : هي الإبل وفيها أصحابها. وإنما أنث السياق ضمير القرية بقوله تعالى : (الَّتِي كُنَّا فِيها) على اللفظ كما يقول القائل : قامت تلك الطائفة ، وتفرّقت تلك الجماعة ، على اللفظ. ويحسن منه أن يقول عقيب هذا الكلام : وأكلوا ، وشربوا ، وركبوا ، وذهبوا ، حملا على المعنى دون اللفظ. كما قال تعالى : (مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ). ثم قال سبحانه : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) على المعنى.
وكذلك القول في العير ، فإنما أنّث ضميرها على اللفظ ، لأنّ العير مؤنثة.
قال تعالى في هذه السورة : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) [الآية ٩٤].
وقوله سبحانه : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) [الآية ٨٧] وهذه استعارة. والمراد ولا تيأسوا من فرج الله. والرّوح هو تنسيم الريح ، التي يلذّ شميمها ، ويطيب نسيمها. فشبه تعالى الفرج الذي يأتي بعد الكربة ، ويطرق بعد اللّزبة (١) بنسيم الريح الذي ترتاح القلوب له ، وتثلج الصدور به. ومثل ذلك ما جاء في الخبر : (الريح من نفس الله) (٢) أي من تنفيسه عن خلقه.
__________________
(١). اللّزبة : الشّدة والقحط. يقال سنة لزبة أي شديدة.
(٢). وفي «نهاية الأرب» ج ١ ص ٩٥ روي عن رسول الله (ص) أنه قال (الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فلا تسبّوها ، واسألوا الله خيرها ، واستعيذوا بالله من شرّها) أخرجه البيهقي في سننه.