كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) [الآية ٨]. وهذه استعارة عجيبة. لأن حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء دون غيره. يقال : غاض الماء وغضته (١) ، ولكن النطفة لمّا كانت تسمّى ماء ، جاز أن توصف الأرحام بأنها تغيضها في قرارتها ، وتشتمل على نفاعاتها (٢). فيكون ما غاضته من ذلك الماء سببا لزيادة ، بأن يصير مضغة ، ثم علقة ثم خلقة مصوّرة. فذلك معنى قوله تعالى : (وَما تَزْدادُ). وقيل أيضا : معنى (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ). أي ما تنقص بإسقاط العلق ، وإخراج الخلق. ومعنى : (وَما تَزْدادُ) أي ما تلده لتمام ، وتؤدي خلقه على كمال. فيكون الغيض هاهنا عبارة عن النقصان ، والازدياد عبارة عن التمام.
وقوله سبحانه : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) [الآية ١٣]. وهذه استعارة. لأن التسبيح في الأصل تنزيه الله سبحانه عن شبه المخلوقات ، وتبرئته من مدانس الأعمال ، وقبائح الأفعال. وهذا لا يتأتّى من الرعد ، الذي هو إصكاك أجرام السحاب بعضها ببعض. فالمراد ، والله أعلم ، أنّ أصوات الرعود تقوى بها الدلالة على عظيم قدرة الله سبحانه ، وبعده عن شبه الخليقة المقدّرة ، وصفات البرية المدبّرة. إذ كان الرعد كما قلنا إنما تغلظ أصواته ، وتعظم هزّاته على حسب تعاظم صفحات السحاب الممتدّة ، وتراكم الغيوم المطبقة. وهي مع هذه الأحوال ، من ثقل أجرامها ، وتكاثف غمامها معلّقة بمناطات الهواء الرقيق ، لولا دعائم القدرة وسماكها ، وعلائق الجبريّة ومساكها ، لما حمل عشر معشارها ، ولا استقل ببعض أجزائها.
ومن عجيب أحواله أنه أيضا مع ما ذكرنا من تثاقل أردافه ، وتعاظل (٣) التفافه ينفشّ (٤) انفشاش الهباء
__________________
(١). غاض الماء : نقص. وغضته أنا أي نقصته.
(٢). النفاعات : جمع نفاعة وهو الشيء الذي ينتفع به.
(٣). التعاظل : هو تكاثر الشيء وركوب بعضه فوق بعض. ومنه المعاظلة في الكلام أي تعقيده وموالاة بعضه فوق بعض.
(٤). انفشّ : أي سكن ولان بعد شدة.