كذلك ، فليس له أن يحتجّ بمجرّد المشيئة ، وما أوردتموه كذلك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الآية ٢٣].
والبغي لا يكون إلا بغير الحق ، لأن البغي هو التعدي والفساد ، من قولهم بغى الجرح إذا فسد ، كذا قاله الأصمعي ، فما فائدة التقييد؟.
قلنا : قد يكون الفساد بالحق ، كاستيلاء المسلمين على أرض الكفار ، وهدم دورهم ، وإحراق زروعهم ، وقطع أشجارهم ، كما فعل رسول الله (ص) ببني قريظة.
فإن قيل : لم شبه الله تعالى الحياة الدنيا بماء السماء دون ماء الأرض ، فقال سبحانه : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) [الآية ٢٤]؟
قلنا : لأن ماء السماء وهو المطر ، لا تأثير لكسب العبد فيه ، ولا حيلة للعبد في زيادته ونقصانه ، كما أن الحياة لا حيلة للعبد في زيادتها ونقصانها.
الثاني : أن ماء السماء يستوي فيه جميع الخلائق ، الوضيع والشريف ، الغني والفقير ، الحيوان وغيره أيضا كالمدر والحجر والشوك والثمر ، كما أن الحياة كذلك ، فكأن تشبيه الحياة بماء السماء أشد مناسبة ومطابقة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [الآية ٢٨] وقال في موضع آخر (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [البقرة / ١٧٤].
قلنا : يوم القيامة مواقف ومواطن ، ففي موقف لا يكلّمهم ، وفي موقف يكلّمهم ، ونظيره قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن] وقوله (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) [الحجر]. الثاني المراد أنه لا يكلمهم كلام إكرام بل كلام توبيخ وتقريع.
فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الآية ٣١] إلى آخر الآية ، يدل على أنهم معترفون أن الله تعالى هو الخالق والرازق والمدبّر لجميع المخلوقات ، فكيف يعترفون بذلك كله ثم يعبدون الأصنام؟
قلنا : كانوا ، في عبادتهم الأصنام ، يعتقدون أنهم يتقرّبون بها إلى الله سبحانه ؛ فطائفة منهم كانت تقول نحن