المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الإسراء» (١)
في قوله سبحانه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الآية ١٢] استعارتان إحداهما : قوله سبحانه : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ). والآية العلامة. والمراد بمحوها ـ والله أعلم ـ على قول بعضهم أي جعلنا ظلمة الليل مشكلة ، لا يفهم معناها ، ولا يعلم فحواها ، لما استأثر الله تعالى بعلمه من المصلحة المستسرّة في ذلك.
وحقيقة المحو طمس أثر الشيء. من قولهم : محوت الكتاب. إذا طمست سطوره حتى يشكل على القارئ ، ويخفى على الرائي. وقال قوم : آية الليل ، القمر خاصة. ومحوه : تصيير تلك الطمسة في صفحته ، حتى نقص نوره عن نور الشمس ، لما يعلم الله سبحانه من المصلحة في ذلك. وآية النهار الشمس. وقال آخرون : بل آيتا الليل والنهار ضوء هذا في الجملة ، وظلمة هذا في الجملة. لأن الضوء علامة النهار ، والظلمة علامة الليل ، على ما قدمنا ذكره.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) وفي ذلك وجهان : أحدهما أن يكون المراد ، أنّا جعلناها مكشوفة القناع مبيّنة الإبصار ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.