كان منتصرا : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (٤٤).
والثاني : مثل الحياة الدنيا في حقارتها وقلّة بقائها ، فهي كماء أنزله الله من السماء فاختلط به نبات والأرض ، ولم يلبث أن جفّ وتكسّر وأصبح هشيما تذوره الرياح. وما يفتخر به أولئك المشركون على فقراء المؤمنين من المال والبنين ، هو من زينة الحياة الدنيا ، فهو سريع الزوال مثلها ؛ والأعمال الصالحة الباقية ، خير منه ثوابا ؛ ثم ذكر لهم يوم يسيّر الجبال وتبرز الأرض ويحشرهم جميعا ، وأنهم يعرضون عليه وليس معهم شيء من أموالهم وأولادهم ؛ ويوضع أمامهم كتاب أعمالهم ، فيشفقون مما فيه : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩).
والثالث : مثل آدم وإبليس ، لأنّ إبليس لعنه الله ، إنما تكبّر على آدم ، لأنه افتخر بأصله ونسبه ، وكان من الجن ففسق عن أمر ربه ؛ وقد نهاهم عن الاقتداء به في ذلك ، واتخاذه وذرّيّته أولياء من دونه ، وهم لهم عدوّ ، والعاقل لا يتّخذ عدوّه وليّا له ، ومثلهم لا يصح أن يكون شريكا بالله ، وهو لم يشهدهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ، وهم مضلّون لا يمكن أن يتّخذ الله له عضدا منهم. ثم ذكر أنه إذا جاء يوم القيامة أمرهم أن ينادوا أولئك الشركاء الذين اتخذوهم أولياء ، فيدعونهم فلا يستجيبون لهم ، ولا ينفعونهم بشيء ممّا كانوا يزعمونه فيهم. ثم ذكر أنه جلّت قدرته ، ضرب تلك الأمثال لهم ليعتبروا بها ، ويرتدعوا عن افتخارهم بكثرة أتباعهم وأموالهم على فقراء المسلمين ؛ ولكنّ هذه الأمثال لا تؤثّر فيهم ، بل يمضون فيما جبلوا عليه من الجدال والشغب ، ويطلبون أن تأتيهم سنّة الأوّلين من عذاب الاستئصال ، أو تتوالى عليهم ضروب العذاب وهم أحياء ؛ والله جل جلاله لم يرسل المرسلين إلا مبشّرين ومنذرين ليؤمن الناس طوعا لا كرها ؛ ولكنهم يجادلون