ذلك أيضا ، فعاد إلى تذكيره بما أخبره به من أنه لن يستطيع الصبر معه ، فذكر له موسى أنه إن سأله عن شيء بعد ذلك فلا يصاحبه ، لأنه قد بلغ منه العذر ؛ فانطلقا حتى أتيا أهل قرية ، فطلبا من أهلها طعاما فأبوا أن يطعموهما ، فوجد ذلك العالم فيها جدارا يوشك أن يسقط فأقامه ، فأنكر عليه موسى أن يقيمه من غير أجر لقوم أبوا أن يطعموهما ، فذكر له أنه لا يمكنه أن يصاحبه بعد هذا ، وأنه سيخبره بتأويل ما أنكره عليه من هذه الأمور الثلاثة ؛ فذكر له أن السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر ، وكان هناك ملك يغصب كلّ سفينة صحيحة ، فخرقها ليعيبها فلا يغصبها ؛ وأنّ الغلام كان أبواه مؤمنين ولو بقي لشبّ على الطغيان والكفر ، وفتن به أبواه فكفرا مثله ؛ وأن الجدار كان لغلامين يتيمين ، وكان تحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحا ، فأقامه لهما ، حتّى يبلغا أشدّهما ، ويستخرجا كنزهما : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٨٢).
قصة ذي القرنين
الآيات [٨٣ ـ ١٠٨]
ثم قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) (٨٣) فذكر ، سبحانه ، أنهم سألوا الرسول (ص) عن ذي القرنين وأن الرسول (ص) أجابهم بأنه سيتلو عليهم بعض أخباره ؛ وفصّل السياق ذلك بأنه جلّ جلاله مكّن له في الأرض ، وأعطاه من العلم والقدرة والعدّة ما يتوصّل به إلى مقصوده. فلما أراد أن يوسّع ملكه جهة الغرب ، سار حتى بلغ أوائل بلاد المغرب ، فوجد هناك عينا حمئة ، ووجد عندها قوما لا يكادون يفقهون قولا ، فدعاهم إلى الدخول في طاعته ، فمن أبى عذّبه عذابا شديدا في الدنيا ، إلى ما سيناله من عذاب الله في الاخرة ، ومن دخل في طاعته جازاه بالحسنى ، ويسّر عليه زكاته وخراجه وغيرهما ؛ ثم أراد أن يوسّع ملكه جهة الشرق فسار حتى بلغ أوائل بلاد الشرق الأقصى ، فوجد هناك قوما كالأوّلين ، لا يسترون أجسامهم