من الشمس ، فقضى فيهم ما قضاه سابقا من تعذيب من لم يدخل في طاعته ، والإحسان إلى من دخل فيها ؛ ثم سار من هناك حتى بلغ بين السّدّين ، فوجد هناك قوما كالأوّلين أيضا ، وهم قوم يأجوج ومأجوج من قبائل التّرك ؛ وكانوا مفسدين في الأرض ، فشكاهم إليه من دخل في طاعته من أهل تلك البلاد ، وطلبوا منه أن يقيم سدّا يمنع غاراتهم عليهم ، فأجابهم إلى ما طلبوه من ذلك السدّ ، وأمرهم أن يأتوه بقطع الحديد فوضع بعضها على بعض حتى سدّت ما بين الجبلين إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافخ عليها حتّى إذا صارت كالنار صبّ النحاس المذاب عليها ، فالتصق بعضها ببعض حتى صارت جبلا صلدا ، فلم يقدروا أن يظهروه (١) أو ينقبوه ؛ ولما تمّ له ذلك ، ذكر أنه رحمة من الله بعباده ، وأنه إذا جاء وعد الله بخروجهم سّواه بالأرض ، فيخرجون منه ، يموج بعضهم في بعض ، ويعيثون فسادا في الناس ، وذلك من أمارات يوم القيامة ؛ وبعد هذا ينفخ في الصور فيجمعون وسائر الناس للحساب ، وتعرض جهنّم للكافرين الذين عموا وصمّوا عما يذكّرهم بذلك اليوم.
ثم وبّخهم على ظنّهم أن ينتفعوا بمن اتخذوهم أولياء من دونه ، مع إعراضهم عن تدبّر ما ذكّروا به ؛ وذكر سبحانه ، أنه أعدّ لهم جهنّم نزلا فلا يصرفهم أحد عنها ؛ ثم ذكر من قبيح صفاتهم ، أنهم قد ضلّ سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، إلى غير ذلك مما ذكره من وعيدهم ؛ ثمّ أتبع وعيدهم بوعد المؤمنين على عادته في الجمع بين الترهيب والترغيب ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٨).
الخاتمة
الآيات [١٠٩ ـ ١١٠]
ثمّ قال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ
__________________
(١). ظهر الحائط يظهره ظهورا : فعل متعدّ ، معناه : علاه.