ناقة جروز ، إذا كانت كثيرة الأكل ، لا يكاد لحياها يسكنان من قضم الأعلاف ، ونشط (١) الأعشاب. ومن ذلك قولهم : سيف جراز ، إذا كان يبري المفاصل ، ويقطّ الضرائب.
وإنما سمّيت تلك الأرض جرزا ، إذ كانت كأنّها تأكل نبتها ، فلا تدع منه نابغة ، ولا تترك طالعة. ونظير ذلك قولهم : أرض جدّاء : لا ماء فيها. تشبيها بالناقة التي لا لبن فيها ، وهي الجدّاء (٢).
وقوله سبحانه : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (١١). وهذه استعارة. لأن المراد بها منع آذانهم من استماع الأصوات ، وهمس الحركات. قال بعضهم : وذلك كالضّرب على الكتاب لتشكّل حروفه ، فتمتنع على القارئ قراءته.
وإنما دلّ تعالى على عدم الإحساس بالضّرب على الآذان ، دون الضرب على الأبصار ، لأن ذلك أبلغ في الغرض المقصود ، من حيث كانت الأبصار قد يضرب عليها من غير عمى ، ولا يبطل إدراك بقية الحواس جملة ، وذلك عند تغميض الإنسان عينيه. وليس كذلك منع الاستماع من غير صمم ، لأنه إذا ضرب عليها من غير صمم ، بالنوم الذي هو السهو على صفة ، دل ذلك على عدم الإحساس من كل جارحة يصحّ بها الإدراك. ولأنّ الأذن ، لمّا كانت طريقا إلى الأنباء ثم ضرب عليها ، لم يكن سبيل إلى الانتباه ، فبطل استماعهم. وفي هذا القول بعض التخليط.
والذي أذهب اليه في ذلك ، هو أن يكون المراد بقوله تعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) والله أعلم ، أي أخذنا أسماعهم. ويكون ذلك من قول القائل : قد ضرب فلان على مالي. أي أخذه وحال بيني وبينه ، فأما تشبيه ذلك بالضرب على الكتاب حتى تشكل حروفه على المتأمّل ، ففيه بعد وتعسّف.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك : وضربناهم على آذانهم ، من الضرب الحقيقي ، تشبيها بمن ضرب
__________________
(١). نشطت الدابة العشب : إذا أكلته بسرعة وخفة. وقد نشطت الدابة : أي سمنت.
(٢). الناقة الجدّاء : هي الصغيرة الثدي ، أو المقطوعة الأذن ، أو التي ذهب لبنها. انظر الفيروزآبادي مادة «جدد».