الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩). وفي هذه الآية استعارتان : أولاهما قوله تعالى : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) والسرداق هو الفسطاط المحيط به. فوصف ـ سبحانه ـ النار بالإحاطة والاشتمال فلا ينجو منها ناج ، ولا يطلق منها عان. وذلك كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (٨) [الإسراء] أي حبسا تحصرهم ، وطولا تقصرهم ، ومثل قوله سبحانه (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) قوله : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩) [الهمزة] والمؤصدة : المغلقة المطبقة. من قولهم أوصدت الباب وأصّدته (١). إذا أغلقته وأطبقته. وقرئ : عمد وعمد. والمراد بقوله سبحانه : (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩) مثل المراد في قوله : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) تشبيها بتمديد الأخبية والسرادقات بالأطناب ، وإقامتها على الأعماد.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : (وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩) والمرفق : المتّكأ ، وهو ما يعتمد عليه بالمرفق ، ومنه المرفقة وهي المخدّة. وذلك نظير قوله سبحانه : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٨) [الرعد : ١٨] (٢) فلما جاء سبحانه بذكر السرادق جاء بذكر المرافق ، ليتشابه الكلام.
وروي عن بعضهم أنه قال : معنى مرتفقا ، أي مجتمعا ، كأنه ذهب إلى معنى : وساءت مرافقه. والمرافقة لا تكون إلا بالاجتماع جماعة. وهذا القول يخرج الكلام عن حدّ الاستعارة ، فيدخله في باب الحقيقة. والوجه الأول أقوى. ويشهد له قوله سبحانه : (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١) فجاء بذكر الارتفاق لمّا قدّم ذكر الاتكاء. وهذا أوضح مشاهد.
وقوله سبحانه : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الآية ٣٣]. وهذه استعارة. لأن الظلم هاهنا ليس على أصله في اللغة ، ولا على عرفه في الشريعة. لأنه في اللغة اسم لوضع
__________________
(١). ويقال أيضا آصد الباب على وزن أفعل مثل أصّد بالتضعيف.
(٢). في سورة آل عمران ، قوله تعالى (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٩٧) فالآيتان متشابهتان إلا في «ثم» بدلا من الواو.