ومن ثم بعض مشاهد القيامة ، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث ، واستنكار للشّرك ودعوى الولد ، وعرض لمصارع المشركين والمكذّبين في الدنيا وفي الاخرة ، وكلّه يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ، ويتجمّع حول محورها الأصيل.
«وللسورة كلّها جوّ خاصّ يظلّلها ويشيع فيها ويتمشّى في موضوعاتها». إنّ سياق هذه السّورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية ، الانفعالات والمشاعر القوية ، الانفعالات في النفس البشرية ، وفي «نفس» الكون من حولها. فهذا الكون الذي نتصوّره جمادا لا حسّ له ، يعرض في السياق ذا نفس وحسّ ومشاعر وانفعالات ، تشارك في رسم الجوّ العامّ للسورة ، حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل ، حتى لتكاد تنفطر وتنشقّ وتنهدّ ، استنكارا :
(أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٩٢).
«أما الانفعالات في النفس البشرية ، فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها. والقصص الرئيس فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة ، وبخاصة في قصة مريم وميلاد عيسى» (ع).
القصص في سورة مريم
القصص في سورة مريم امتداد للقصص في سورة الكهف. فهناك ظهرت قدرة الله البالغة في حفظ أصحاب الكهف وإحيائهم بعد موتهم ، وفي إعطاء الرحمة والعلم للخضر عليهالسلام ، وفي منح ذي القرنين أسباب الملك والسلطان والسيادة ؛ وهنا تظهر رحمة الله وفضله على زكريّا ، إذ يمنحه يحيى على كبر وشيخوخة ، وتظهر قدرة الله البالغة في خلق عيسى من أم دون أب ، ثم نعمته السابغة على الأنبياء والرسل ورعاية الله لهم حتّى يؤدوا رسالتهم. ويظهر ذلك في قصة إبراهيم مع أبيه ، وقصة موسى مع قومه ، وقصة إسماعيل الصادق الوعد ، وقصة إدريس الصّدّيق النبيّ.
ذكرت حلقة من هذه القصة في سورة آل عمران ، ولكنها في سورة مريم تخالف ما سبق منها في أسلوبها وسياقها ، وما فيها من زيادة ونقص.
إنّ السّمة الغالبة هنا ، سمة الرحمة والرّضا والاتصال ، فهي تبدأ بذكر