المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «مريم» (١)
إن قيل : النداء هو الصوت والصياح ، يقال ناداه نداء : أي صاح به ، فلم وصف النداء بكونه خفيّا ، كما جاء في الآية ٣؟
قلنا : النداء هنا عبارة عن الدعاء ، وإنما أخفاه ليكون أقرب إلى الإخلاص ، أو لئلا يلام على طلبه الولد بعد الشيوخة ، أو لئلا يعاديه بنو عمه ، ويقولوا : كره أن نقوم مقامه بعده ، فسأل ربّه الولد لذلك.
فإن قيل : لم قال تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) [الآية ٦] ،
والنبي لا يورث لقوله (ص) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة»؟
قلنا : المراد بقوله تعالى (يَرِثُنِي) : أي يرثني العلم والنبوّة ، ويرث من آل يعقوب الملك ، وقيل الأخلاق ؛ فأجابه الله تعالى إلى وراثته العلم والنبوّة والأخلاق ، دون الملك ، والمراد بقوله (ص) «لا نورث» المال ؛ ويؤيده قوله (ص) «ما تركناه صدقة». ويعقوب هنا والد يوسف عليهماالسلام ، وقيل لا بل هو أخو زكريا ، وقيل لا بل هو أخو عمران الذي هو أبو مريم.
فإن قيل لم قال تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) بتعدية الفعل في الأول بنفسه والثاني بحرف الجر ، وهو واحد؟
قلنا : يقال ورثه وورث منه ، فجمع السياق بين اللغتين. وقيل «من» هنا
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.