ما أجمله فيه ، فذكر أنه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فجمع في ذلك ما يتّصل بالتكليف فرضا ونفلا ، وما يتّصل بالأخلاق عموما وخصوصا. ثم ذكر ممّا جمعه في ذلك من المأمورات والمنهيات ، الأمر بالوفاء بعهد الله ، والنهي عن نقض الأيمان بعد توكيدها ؛ ونهاهم أن يتّخذوها على غشّ وخديعة ، كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، إذ كانوا يحالفون قوما ، ثم يجدون غيرهم أقوى منهم فينقضون حلفهم ، ويحالفون من وجدوهم أقوى منهم ؛ ثم ذكر أنه يختبرهم بهذا التكليف ، ولو شاء لجمعهم عليه بالإلجاء ، فجعلهم أمّة واحدة في الوفاء بعهده ، ولكنّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، ثم يسألهم جميعا عن عملهم. ثم أعاد النهي عن اتخاذهم أيمانهم دخلا بينهم ، ليوعدهم عليه بما أوعدهم به ؛ ونهاهم أن يشتروا بعهده ثمنا قليلا من عرض الدنيا ، لأنّ ما عنده هو خير لهم لبقائه ، وما عندهم ينفد ولا يبقى ؛ ثم بيّن ما عنده من الجزاء الحسن ، والحياة الطيبة ، لمن يستحقها من المؤمنين ، الذين يصبرون على الوفاء بالعهد ، وأنه يجزيهم أجرهم ، بأحسن ما كانوا يعملون.
ثم ذكر ، مما جمعه فيما سبق من المأمورات والمنهيات ، الأمر بالاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن ، ليرشدهم الى ما تخلص به أعمالهم من وساوسه ، ويستحقون به الجزاء الذي وعدهم به ؛ ثم ذكر أنه لا سلطان للشيطان على المؤمنين الذي يتوكلون على ربهم (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠).
عود الى رد شبههم على القرآن
الآيات [١٠١ ـ ١١١]
ثم قال تعالى (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١). فذكر لهم شبهتين أخريين في القرآن : أولاهما أنهم كانوا إذا نسخ حكم آية بآية أخرى يقولون : «والله ما محمد إلّا يسخر بأصحابه. اليوم يأمر بأمر وغدا ينهى عنه ، فما هذا إلّا من عنده» وقد أجابهم سبحانه عنها بأنه أعلم بحكمة ذلك ، وما فيه من المصلحة للعباد ؛ وبأنه نزّل القرآن