والجوّ والنظم ، والإيقاع ، فقد ختمت قصّة إبراهيم هنا ، بالنون أو الميم ، التي تفيد التقرير والتأكيد ، أو ما يشبه أحكام القضاء بعد تفكّر وتأمّل وترتيب.
أشواط أربعة
يمكن أن نقسم سورة الأنبياء إلى أربعة أقسام ، يمضي السياق خلالها من قسم إلى آخر ، ويمهّد كلّ شوط للّذي يليه.
الشوط الأول
يبدأ الشوط الأول بمطلع قويّ الضربات ، يهزّ القلوب هزّا ؛ وهو يلفتها إلى الخطر القريب المحدق ، وهي عنه غافلة لاهية :
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (١).
ثمّ يهزّها هزة أخرى ، بمشهد من مصارع الغابرين ، الذين كانوا عن آيات ربّهم غافلين :
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) (١١).
ثمّ يربط بين الحقّ والجدّ في الدّعوة ، نظام الكون ، عقيدة التوحيد ونواميس الوجود ، ووحدانيّة الخالق المدبّر ووحدة الرسالة والعقيدة ، ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها ، على النحو الذي أسلفناه ، ويمتدّ هذا الشوط من أول السورة إلى الآية ٣٥.
الشوط الثاني
أما الشوط الثاني ، فيرجع السياق بالحديث إلى الكفّار ، الذين يواجهون الرسول (ص) بالسخرية والاستهزاء ، والأمر جدّ وحق ، وكل ما حولهم يوحي باليقظة والاهتمام ، وهم يستعجلون العذاب ، والعذاب منهم قريب. وهنا يعرض مشهدا من مشاهد القيامة ، ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرّسل قبلهم ؛ ويقرّر أن ليس لهم من الله من عاصم ، ويوجّه قلوبهم إلى تأمّل يد القدرة ، وهي تنقص الأرض من أطرافها ، وتزوي رقعتها وتطويها ، فلعلّ هذا أن يوقظهم من غفلتهم ، التي جاءتهم من طول النعمة وامتداد الرخاء.
وينتهي السياق في هذا الشوط بتوجيه الرسول (ص) إلى بيان وظيفته :
(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الآية ٤٥].