المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «الأنبياء» (١)
إن قيل : لم قال تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الآية الأولى] ، وصفه بالقرب ، وقد مضى من وقت هذا الإخبار زمن طويل ، ولم يأزف يوم الحساب بعد؟
قلنا : معناه الأوّل : أنه قريب عند الله تعالى ، وإن كان بعيدا عند الناس ، كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً) (٧) [المعارج] وقال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) [الحج]. الثاني : معناه أنه قريب بالنسبة إلى ما مضى من الزمان. كما قال (ص) «إن مثل ما بقي من الدنيا في جنب ما مضى ، كمثل خيط في ثوب». الثالث : أنّ المراد به قرب حساب كلّ واحد في قبره إذا مات ، ويؤيّده قوله (ص) «من مات فقد قامت قيامته». الرابع : أنّ كلّ آت قريب ، وإن طالت أوقات استقباله وترقّبه ، وإنّما البعيد الذي وجد وانقرض ؛ ولهذا يقول الناس إذا سافروا من بلد إلى بلد ، بعد ما جعلوا البلد الأول وراء ظهورهم : البلد الثاني أقرب ، وإن كان أبعد مسافة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) [الآية ٢] والذكر الآتي من الله تعالى هو القرآن ، وهو قديم لا محدث؟
قلنا : المراد أوّلا محدث إنزاله. ثانيا : أنّ المراد به ذكر يكون غير القرآن ، من مواعظ الرسول (ص)
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.