المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «النحل» (١)
إن قيل : لم قدّمت الإراحة ، وهي مؤخّرة في الواقع ، على السروح ، وهو مقدم في الواقع ، في قوله تعالى : (حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (٦).
قلنا : لأنّ الأنعام ، في وقت الإراحة ، وهي ردها عشيّا الى المراح ، تكون أجمل وأحسن ، لأنها تقبل ملأى البطون ، حاملة الضروع ، متهادية في مشيها ، يتبع بعضها بعضا ، بخلاف وقت السروح ، وهو إخراجها الى المرعى ، فإنّ هذه الأمور كلّها تكون على ضدّ ذلك.
فإن قيل : قوله تعالى : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [الآية ٧] ، إن أريد به : لم تكونوا بالغيه عليها إلّا بشق الأنفس ، فلا امتنان فيه ؛ وإن أريد به لم تكونوا بالغيه بدونها إلّا بشقّ الأنفس ، فهم لا يبلغونه عليها أيضا إلّا بشق الأنفس ، فما الحكمة في ذلك؟
قلنا : معناه وتحمل أثقالكم : أي أجسامكم وأمتعتكم معكم الى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بدونها ، بأنفسكم من غير أمتعتكم إلّا بجهد ومشقة. فكيف لو حملتم أمتعتكم على ظهوركم؟ والمراد بالمشقة : المشقّة التي تنشأ من المشي ، أو من المشي مع الحمل على الظهر لا مطلق مشقّة السفر ، وهذا مخصوص بحال فقد الإبل ، فظهرت الحكمة من ذلك.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [الآية ٨] يقتضي حرمة أكل الخيل ، كما
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.