وقوله سبحانه : (إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [الآية ٧] استعارة على أحد التأويلين. وهو أن يكون المعنى : أنّكم لا تبلغون هذا البلد إلا بأنصاف أنفسكم ، من عظم المشقّة ، وبعد الشّقّة ، لأن الشّق أحد قسمي الشيء. ومنه قولهم : شقيق النفس أي قسيمها ، فكأنه من الامتزاج بها شقّ منها. وعلى ذلك قول الشاعر :
من بني عامر لها نصف قلبي |
|
قسمة مثلما يشقّ الرّداء |
فأمّا من حمل قوله تعالى : (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) على أنّ معناه المشقّة والنصب والكدّ والدأب ، فإن الكلام ، على قوله ، يكون حقيقة ، ويخرج عن حدّ الاستعارة. كأنه ، سبحانه ، قال : إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بمشقة الأنفس.
وقوله سبحانه : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ) [الآية ٩] وهذه استعارة. لأن الجائر هو الضالّ نفسه. يقال : جار عن الطريق. إذا ضلّ عن نهجه ، وخرج عن سمته. ولكنهم لمّا قالوا : طريق قاصد ، أي مقصد فيه ، جاز أن يقولوا : طريق جائر أي يجار فيه.
وقوله سبحانه : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الآية ٢٥]. وهذه استعارة لأنّ الأوزار على الحقيقة هي الأثقال ، واحدها وزر. والمراد بها هاهنا الخطايا والآثام ، لأنها تجري مجرى الأثقال التي تقطع المتون ، وتنقض الظهور.
وفي معنى ذلك قولهم : فلان خفيف الظهر. وصفوه بقلة العدد والعيال ، أو بقلة الذنوب والآثام.
وقوله سبحانه : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [الآية ٢٦] وهذه استعارة. لأن الإتيان هاهنا ليس يراد به الحضور عن غيبة ، والقرب بعد مسافة. وإنّما ذلك كقول القائل : أتيت من جهة فلان. أى جاءني المكروه من قبله. وأتي فلان من مأمنه ، أي ورد عليه الخوف من طريق الأمن ، والضرّ من مكان النفع.
وقوله سبحانه : (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) [الآية ٢٨]. وهذه استعارة. وليس هناك شيء يلقى على الحقيقة. وإنما المراد بذلك طلب المسالمة عن ذلّ واستكانة ، والتماس وشفاعة. لأنّ من كلامهم أن يقول القائل : ألقى إليّ فلان بيده. أي خضع