أدلة الوحدانية
تستمر الآيات من ٥١ الى ٧٦ في سورة النحل ، في إثبات قضية الألوهية الواحدة التي لا تتعدّد ، تبدأ فتقرر وحدة الإله ووحدة الملك ، ووحدة المنعم ، في الآيات الثلاث الأولى متواليات ، وتختتم بمثلين تضربهما للسيد المالك الرازق ، والعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء ، ولا يملك شيئا .. هل يستويان؟ فكيف يسوّى الله المالك الرازق ، بمن لا يقدر ولا يملك ولا يرزق؟ فيقال : هذا إله وهذا إله؟
وفي خلال هذا الدرس ، تعرض الآيات نموذجا بشريّا للناس ، حين يصيبهم الضرّ ، فيجأرون إلى الله وحده ، وإذا كشف عنهم الضر ، راحوا يشركون به غيره.
وتعرض الآيات صورا من أوهام الوثنية وخرافاتهم ، في تخصيص بعض ما رزقهم الله لآلهتهم المدّعاة ، في حين أنهم لا يردون شيئا مما يملكونه على عبيدهم ، ولا يقاسمونهم إياه ؛ وفي نسبة البنات الى الله ، على حين يكرهون ولادة البنات لهم :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (٥٨).
وفي الوقت الذي يجعلون لله ما يكرهون ، تروح ألسنتهم تتشدّق بأنّ لهم الحسنى ، وأنّهم سينالون على ما فعلوا خيرا ، وهذه الأوهام التي ورثوها من المشركين قبلهم ، هي التي بعث الرسول (ص) ليبيّن لهم الحقيقة فيها ، وليخرجهم من ظلمات الشرك الى نور اليقين. ثم تأخذ الآيات في عرض نماذج من صنع الألوهية الحقّة ، في تأملها عظة وعبرة ، فالله وحده القادر عليها ، الموجد لها. وهي هي دلائل الألوهية لا سواها : فالله أنزل من السماء ماء ، فأحيا به الأرض بعد موتها ، والله يسقي الناس ـ غير الماء ـ لبنا سائغا ، يخرج من بطون الأنعام ، من بين فرث ودم ، والله يطلع للناس ثمرات النخيل والأعناب ، يتخذون منها سكرا ورزقا حسنا ، والله أوحى إلى النحل لتتخذ من الجبال بيوتا ، ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم تخرج عسلا فيه شفاء للناس.
اسم السورة
وقد سميت هذه السورة بسورة النحل ، للإشارة الى الأمر العجيب الدقيق في شأن النحل ، فهي تعمل