بجزاء عمله ، حسنا كان أو سيّئا ؛ وقد سبق مثل هذا مستوفى في آخر سورة البقرة ، في قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).
فإن قيل : لم قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [الآية ١٢] وقال في قصة مريم وعيسى (ع) (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٩١) [الأنبياء](وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٥٠] مع أن عيسى (ع) كان وحده آيات شتّى ، حيث كلّم الناس في المهد ، وكان يحيي الموتى بإذن الله ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق الطير وغير ذلك ؛ وأمّه وحدها ، كانت آية ، حيث حملت من غير فحل؟
قلنا : إنّما أراد به الآية التي كانت مشتركة بينهما ولم تتم إلّا بهما ، وهي ولادة ولد من غير فحل ، بخلاف الليل والنهار والشمس والقمر. والثاني : أن فيه آية محذوفة ، إيجازا واختصارا تقديره : وجعلناها آية وابنها آية ، أي وجعلنا ابن مريم آية ، وأمّه آية.
فإن قيل : لم قال الله تعالى (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [الآية ١٢] والإبصار من صفات ما له حياة ؛ والمراد بآية النهار ، إمّا الشمس وإمّا النهار نفسه ؛ وكلاهما غير مبصر؟
قلنا : المبصرة في اللغة بمعنى المضيئة ، نقله الجوهري ، وقال غيره معناه بيّنة واضحة ؛ ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الآية ٥٩] أي آية واضحة مضيئة ، وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) [النمل : ١٣] الثاني ، معناه ، مبصرا بها إن كانت الشمس ، أو فيها ، إن كانت النهار ، ومنه قوله تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] أي مبصرا فيه ؛ ونظيره قولهم ، ليل نائم ونهار صائم : أي ينام ويصام فيه. والثالث ، أنه فعل رباعي منقول بالهمزة عن الثلاثي الذي هو بصر بالشيء : أي علم به ، فهو بصير ، أي عالم ؛ معناه : أنه يجعلهم بصراء ، فيكون أبصره بمعنى بصره ، وعلى هذا حمل الأخفش قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) [النمل : ١٣] أي تبصّرهم ، فتجعلهم بصراء. الرابع ، أن بعض الناس زعم أن الشمس حيوان له حياة وبصر وقدرة ، وهو متحرك بإرادته امتثال أمر الله تعالى ، كما يتحرّك الإنسان.
فإن قيل : ما الحكمة في ذكر عدد السنين ، مع أنه لو اقتصر على القول